اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


اذا كانت "اسرائيل" لم تنتصر على أولئك الرجال الذين يقاتلونها في العراء، وبعد كل ذلك الدمار وسقوط أكثر من 100000 قتيل وجريح، وبعدما تحولت غزة الى "هيروشيما القرن"، على من يضحك بنيامين نتنياهو حين يقول ان الدخول الى رفح هو الانتصار؟ حتى اعلامه يسخر منه. غزة تحت الركام، "اسرائيل" أيضاً تحت الركام.

لم تعد التراجيديا الفلسطينية في يد هذا الطرف أو ذاك من الفلسطينيين، وقد باتت الكلمة لمن هم على الأرض وتحت الأرض. ولم تعد في يد العرب (هل باستطاعة أحد أن يقول لنا من هم العرب، وماذا تعني كلمة العرب؟). القضية باتت قضية العالم. حتى الولايات المتحدة التي لولاها لما كانت ولما بقيت "اسرائيل"، تبدو في منتصف الطريق بين المأزق العسكري والمأزق الديبلوماسي. عبثاً تبحث عن باب للخروج من عنق الزجاجة.

ثمة أصوات أميركية، بما فيها أصوات يهودية، تدعو الى "الخروج من "اسرائيل" مثلما خرجنا من فيتنام وأفغانستان". القتلة في كل من واشنطن و"تل أبيب" هم من يرتعدون الآن. صحيح أن قادة حماس لم يكونوا يتوقعون أن تكون ردة الفعل على هذا المستوى من الضجيج الدموي، لكننا لا نتصور أنهم كانوا يعلمون أن القضية بحاجة الى تلك الكمية الهائلة من الضحايا لتعود الى الحياة، بعدما دفنها ياسر عرفات تحت ثلوج وورود (ونصوص) أوسلو، ودفنها ورثته الأجلاّء في الأروقة الديبلوماسية. الأحرى في الدهاليز الديبلوماسية.

بعيداً عن التفاصيل اليومية والأحداث اليومية، نلاحظ كيف أن معلقين بارزين في الولايات المتحدة يتحدثون عن "حالة التيه في ادارة جو بايدن". هؤلاء يرون أنه، وبالنظر للعلاقة "العضوية" بينهما، مثلما تزعزعت "اسرائيل" تزعزعت أميركا التي تعاملت في أكثر من مكان في العالم بذلك النوع من البربرية. تذكروا جثث الهنود الحمر وهي تحترق. هل المشكلة الآن في تعويم "اسرائيل" أم في تعويم أميركا التي جعلها نتنياهو تتعرى حتى من ملابسها الداخلية؟

ثمة رجل في الكونغرس، وقد ابتعد عن ديناصورات الحزب الديموقراطي، وعن ديناصورات الحزب الجمهوري، هو السناتور اليهودي بيرني ساندرز الذي رأى فيه البعض "سبينوزا الأميركي"، نسبة الى الفيلسوف اليهودي الهولندي باروخ سبينوزا، الذي طارده "الحاخامات" بالسكاكين لأنه أتهمهم بالتنكيل بالله، وحتى بقتل الله. هذا الرجل يختزل الضمير العالمي، حين يتهم الادارة بأنها من "صنعت ذلك الجحيم"، داعياً الى الخروج من هذا الجحيم.

أبعد من ذلك، مؤيدو السيناتور (المستقل) يدعون الى "تحرير أميركا من الاستعمار الاسرائيلي". لا كلام أكثر بلاغة وأكثر أخلاقية من هذا الكلام.

متى كان الأمين العام للأمم المتحدة يتجرأ ـ والعصا الأميركية فوق رأسه ـ على الظهور، هكذا عند حدود غزة، رفح بالذات، ليقول "أنا أحمل اصوات الغالبية العظمى من دول العالم، وقد سئمت مما حدث ومما ييحدث... حيث هدمت المنازل، وقضت عائلات وأجيال بأكملها في ظل مجاعة تحاصر السكان"؟ اذ رأى ذلك الطابور من الشاحنات التي تحمل المواد الغذائية التي منعتها "اسرائيل" من الدخول، قال "هذا الأمر أكثر من أن يعكس وضعاً مأسوياً، انه انتهاك أخلاقي".

أنطونيو غوتيريتش، البرتغالي الشغف بأفكار ابن بلده خوسيه ساراماغو "اذا كنا غير قادرين على العيش ككائنات بشرية، دعونا على الأقل نبذل كل ما في وسعنا كيلا نعيش كما الحيوانات". "الاسرائيليون" لم يطلبوا فقط من أنتوني بلينكن القاءه خارج المبنى الزجاجي في نيويورك، الرجل تلقى تهديدات بالقتل.

هذا هو المنطق التلمودي، أيها السادة العرب، ويا أيها السادة اللبنانيون. وجود "اسرائيل" على حدودنا تهديد لوجودنا، الا اذا قبلنا بأن نكون حيوانات بشرية، وقد خلقنا على هذه الصورة كما نصّ التلمود، لنليق بخدمة بني "اسرائيل" ودولة "اسرائيل".

ليتنا نقرأ كتاب المارتينيكي فرانز فانون "معذبو الأرض"، وكان بمثابة أنجيل الثورة في الستينات من القرن الماضي، لندرك سبب بلوغ الجنون "الاسرائيلي" ذروته. كتب "هذه بداية النهاية". بالصوت العالي انها بداية النهاية...

فانون لم يكن فقط نبي المعذبين، كان نبي المقاتلين من أجل... الحياة!!