اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


يبدو أنّ لمسار العمليات العسكرية الإسرائيلية مخططات وخرائط محدّدة، يسعى العدو الى إبقائها "سريّة" منعاً لكشفها أو الإطلاع عليها من قبل المقاومة التي تبقى جاهزة للتصدّي لها. وغالباً ما يظهر أنّها بنت ساعتها، وتتعلّق بالظروف المحيطة بها، غير أنّها خلاف ذلك تماماً إذ يتمّ العمل على التخطيط لها على مدى سنوات قبل القيام بها، أو تعديل بعض مساراتها في الربع الساعة الأخيرة. وقد لجأ العدو الإسرائيلي أخيراً بحجّة "حرب غزّة المفتوحة على جبهات عدّة"، الى ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق، وردّت عليه طهران من خلال إطلاق سرب المسيّرات والصواريخ، وأثبتت قدرتها على شنّ الحرب الفعلية على "إسرائيل" فيما لو شاءت ذلك، ويُنتظر حالياً الردّ الإسرائيلي على الردّ. فكيف يُخطّط العدو لعملياته العسكرية خارج الأراضي الفلسطينية وما هي نواياه وطموحاته الفعلية؟!

يقول السفير الدكتور بسّام النعماني لجريدة "الديار" في هذا السياق، أنّه لوحظ أنّه بعد مرور 10 سنوات على "حرب أكتوبر 1973"، نشر قسم التاريخ في هيئة الأركان العامة لجيش العدو الإسرائيلي أطلساً سرياً، من الحجم الكبير يحوي 82 خريطة وبيان معلومات يتضمن معلومات مثيرة ومفصلة حول هذه الحرب. ولعل هذه الخرائط هي من أكثرها تفصيلاً لمسار العمليات العسكرية. وقد تمت طباعة نحو 1000 نسخة مرقمة بشكل آحادي لهذا الأطلس الذي سمي بالعبرية "حرب يوم كيبور". وقد طبع على الغلاف بأنه "سري"، كما حذر من عدم تسريبه إلا للأشخاص المعنيين بالإطلاع عليه.

وفي الذكرى الخمسين، على ما أضاف، والتي صادفت في تشرين الأول من العام 2023 المنصرم، قامت سلطات العدو بنشر الكثير من الوثائق والحقائق التاريخية الجديدة حول هذه الحرب، وكان هذا الأطلس من بينها. وفي العادة، فإن مثل هذه الأطالس ترفق معها كتاباً يشرح هذه الخرائط والعلامات عليها بشكل مسهب. ولكن يبدو أن السماح بالنشر لم يشمل هذا الكتاب "الشارح". وقد سمح المتحدث الرسمي لجيش العدو بنشر نحو 43 خريطة وبيان إستبياني من هذا الأطلس، أي ما يُقارب نصف عدد الخرائط الموجودة فيه. واعتبر بأن هذا النشر لا يشكل خطراً على الأمن القومي الإسرائيلي.

ولكن يبدو أن الرقابة العسكرية للعدو الإسرائيلي قد تراخت بعض الشيء، على ما يشرح النعماني، فقامت بعض المدونات على الإنترنت بنشر سائر الخرائط الأخرى في الأطلس. ومنها خريطة العملية العسكرية الكودية "الذئب" (أو "قيوت" باللغة الإنكليزية) لإحتلال دمشق والتمدّد حتى القطية. والأخيرة بلدة تقع على نحو 60 كلم شمال العاصمة السورية. و"القيوت" هو حيوان صغير من فصيلة الذئب لا يوجد إلا في القارة الأميركية الشمالية. وتاريخ التحضيرات لهذه العملية مؤرخة في أيار من العام 1973، أي قبل إندلاع الحرب بخمسة أشهر. وفي كل الكتب التي صدرت عن حرب أكتوبر في الخمسين سنة الأخيرة، لم يتم التطرق إلى هذه العملية أو إلى إسمها لا من قريب ولا من بعيد. ولم يتم الإشارة إليها، لا بواسطة مؤرخي العدو ولا بواسطة المؤرخين العرب.

والمثير من الجانب اللبناني، على ما أوضح، أن الخريطة تظهر أن المرحلة الأولى من العملية العسكرية تبدأ بهجوم مزدوج: الأول بواسطة فرقتي المشاة 36 و146 على جبهة القنيطرة في الجولان في إختراق محدود لخط وقف إطلاق النار 1967 وذلك في مواجهة فرقتي المشاة السوريتين 200 و230. أما الهجوم الثاني فينطلق في التوقيت نفسه، بواسطة فرقة مشاة شمالاً (غير واضح رقمها على الخريطة المرفقة) إنطلاقا من إصبع الجليل (المنطقة الممتدة من المطلة إلى بانياس). وتعبر هذه القوة سهل البقاع حتى تصل إلى خط يبعد مئات الأمتار عن مجدل عنجر. وفي المرحلة الثانية من العملية "قيوت"، يتقدم العدو الإسرائيلي إلى مجدل عنجر ثم ينحرف شرقاً على طريق بيروت- دمشق الدولية إلى خط بالقرب من الديماس (التي تقع على نحو 20 كلم غرب العاصمة). وعلى جبهة القنيطرة، ينقسم جناح العدو إلى اثنين: الأول يتجه شمالاً حتى خط يقع شمال كسوة. والثاني يتوجه جنوباً إلى درعا على الحدود السورية الأردنية. وفي المرحلة الثالثة والأخيرة من عملية "القيوت"، يتقدم العدو من الديماس إلى دمشق، كما يواصل التقدم من صحنايا إلى القطية.

وأكّد السفير النعماني أنّ هذه هي أهم معالم الخطة "الذئب" أو "القيوت" 1973 التي لم يشر إليها أي من مؤرخي العدو أو من المؤرخين العرب طوال الخمسين سنة الماضية في كل كتاباتهم عن "حرب أكتوبر". علماً بأنّها نشرت في وثيقة رسمية صادرة عن هيئة أركان جيش العدو الإسرائيلي.

وتثير الخريطة، على ما يتساءل أسئلة كثيرة، منها:

أولاً: لماذا، وفي وثيقة سرية عن حرب أكتوبر، ينشر العدو خطة لإحتلال دمشق عن طريق الدخول إلى سهل البقاع؟ ولبنان في الأصل، لم يشارك في هذه الحرب؟ وهو طالما اعتبر نفسه جبهة مساندة لا مجابهة. لماذا هذا الإستسهال للعدو في إقحام لبنان في حرب إقليمية؟ ثم أن الكثير من الدول تجهز أكثر من خطة عسكرية واحدة. فمن المؤكد أن "القيوت" لم تكن الخطة الوحيدة الموجودة في ترسانة العدو ومحفوظاته. فهنالك خطط أخرى في جعبته. فلماذا اختار هذه الخطة بالذات ونشرها في الأطلس المذكور، ولو على سبيل "السرية"؟

ثانياً، هل كان من المستحيل على جيش العدو بتفوقه العددي، واسلحته الأميركية المتقدمة، حصر هجومه على العاصمة دمشق من جبهة القنيطرة والتي لا تبعد إلا نحو 60 كلم عن خط وقف إطلاق النار؟ وهذا ما حصل بالفعل أثناء سير العمليات في العام 1973، حيث تقدم العدو إلى سعسع، وتوقف عندها. ما يطرح التساؤل نفسه مرة أخرى اليوم: لماذا الإصرار على إقحام الجبهة اللبنانية؟ أما السؤال الأخير، فهو برسم القادة اللبنانيين: "ما هو موقف الخطة الدفاعية الوطنية من مثيلات هذه الخطط التي يسربها العدو الإسرئيلي؟ المجابهة؟ أم المساندة؟".



الأكثر قراءة

عرب الطناجر...