اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

لعلّها الأيام الأصعب التي يمر بها الكيان الصهيوني منذ أوجدوه، إن كان على صعيد الجبهة الداخلية أو الجبهة الخارجية على مختلف اتجاهاتها، وأكثر من ذلك فحتى المتغيّرات الدولية والإقليمية لم تعد لمصلحته، والتوتر الذي يعيشه حالياً انسحب أيضاً على علاقته بالولايات المتحدة الأميركية المعترضة على اداء بنيامين نتنياهو، والذي تعتبره أن بسياسة حكومته أدخل «إسرائيل» بأزمة، لذا باتوا معنيين بإظهار هذا الجانب والإستثمار فيه من أجل الإطاحة به.

نتنياهو الذي بات أمام خيارين لا ثالث لهما داخل الكيان، إما التراجع عن قراراته التي عززت الانقسام وأظهرت «إسرائيل» بهذا الضعف كما تتهمه المعارضة، وإما الخروج من السلطة، وكلاهما صعب لأن وجوده على رأس الحكومة فرصة أخيرة له، لذلك هو يتمسّك بها حتى النهاية، ويجد نفسه أمام ذات المأزق على الجبهة الخارجية، فبعد التطورات التي حصلت جراء الاعتداءات الصهيونية على المسجد الأقصى، وما تبعها من ردود أفعال على مختلف الجبهات من صواريخ انطلقت من جنوب لبنان، والتي اعتبرها العدو أنها جزء من وحدة الجبهات كمؤشر للمرحلة الجديدة، وكذلك من سوريا، ورافقتها محاولة من مصر، بالإضافة الى الداخل الفلسطيني، فإذا سكت «الإسرائيلي» يُسبِّب مشكلة له أمام الرأي العام بحيث سيتحطّم «الردع الإسرائيلي» بشكل نهائي، وإذا ردّ سيجد نفسه أمام جبهات متعددة لمحور قوي لديه إمكانيات. وبالتالي ستكون هذه الحرب الإقليمية الأصعب منذ نشأة الكيان، ما يعني أنه أمام تحدي وجودي، لذا كل الخيارات سيئة بالنسبة له نظراً الى حراجة وصعوبة الوضع، ففتح أي جبهة ليس بالأمر السهل، فجبهة غزة إن أراد الكيان فتحها، لن تُحقِّق النتائج التي يريدها وأكثر من ذلك كيف يضمن عدم انعكاسها على الجبهات الأخرى في محور المقاومة؟ وهل يحتمل العدو بوضعه الحالي حرب على جبهات متعددة؟ فمن جبهة للهروب من الداخل لحرب إقليمية تُغرقه أكثر.

فبعد رسالة صواريخ جنوب لبنان، اجتمع المجلس الوزاري المصغر لدرس الرد بطريقة محسوبة لا تُورِّط الكيان بمواجهة موسَّعة، وخلال الجلسة حصل خلاف بين الجيش ورئيس «الموساد»، فالأول أراد ردّاً محدوداً خوفاً من رد المقاومة، بينما الثاني أراد أن يكون الرد على حزب الله بالتحديد، وبحسب النتيجة تَقرر أن يكون رد بمستوى دَفَعَ بالرأي العام «الإسرائيلي» للإستهزاء به، فكيف بحزب الله الذي يعلم «الإسرائيلي» الخطوط الحمراء معه، بحيث أن المعركة مع الحزب تحتاج لاستعدادات مختلفة غير متوفرة لدى الاحتلال، فظرفهم لا يساعدهم على خوض حرب من هذا النوع..

من هنا، تمر «إسرائيل» بأضعف مرحلة على مختلف الجبهات، لكن خطورة الاعتداءات على المسجد الأقصى اذا استمرت ستتحوّل الحرب الى حرب دينية، عندئذ سيَتَّحد الجميع وراء خيار المقاومة، فالمعادلة التي أطلقها السيد نصرالله ما زالت قائمة في ما يتعلق بالإعتداء على الأقصى والمقدسات، ألا وهي أن المحور كلّه مَعني بالدفاع عنهم، فالتنسيق بين أطراف المحور وعلى أعلى المستويات واضح، لدرجة أن العدو يعلم جيداً أنه ليس هناك إمكان للاستفراد بأي جبهة.

ورغم التداعيات الخطرة التي تلحق بما يفعله الصهاينة بالأقصى، إلا أن التراجع بالنسبة لنتنياهو صعب جداً، فاليمين المتطرّف المُتحالف معه يعتبر التراجع استسلام، من هنا تبرز دقة المرحلة وحساسيتها، فهو يحاول تمرير هذه الأيام الحرجة بأقل الأضرار، ورغم ذلك فإن كل القرارات واردة عنده وحتى الجنونية منها.

وفي المقابل، إذا استمر العدو باعتداءاته، فإن خيارات محور المقاومة مفتوحة وكل الإحتمالات واردة، وبخاصة أن الصواريخ ثبّتت له فكرة وحدة الساحات، وأن ليس هناك من ساحة مُحيَّدة وثبّتت له معادلة: أنت الضعيف ونحن الأقوى، فـ «إسرائيل» لم يعد بإمكانها فرض معادلات، فهذا الزمن انتهى، وبات الآن بزمن التفكك الإسرائيلي الذي أصبح بشكله الحالي عبئاً على الدول التي أنشأته ودعمته، فبات من الأفضل أن يتفكك هو قبل أن تتفكك هي مع نشوء عالم جديد على ما يبدو ليس له مكان فيه، باعتبار قوّته مصدرها دعم دول هي بنفسها منشغلة بحجز مكان لها، في ظل التغيرات التي تصيب العالم وتقلب موازينه.

الأكثر قراءة

بكركي والفاتيكان لفرنسا: لا يجب كسر المسيحيين ولرئيس لا غالب ولا مغلوب عواصم القرار تدفع نحو انجاز الاستحقاق الرئاسي والثنائي الشيعي يرفض ابتزازه