اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

هنا يستعيدون أمامك ـ للعبرة ـ ما حدث للجمهورية الرابعة، وحيث كانت الدولة في طريقها الى التحلل. الجمعية الوطنية (البرلمان) باتت صورة عن برج بابل، الى أن ظهر شارل ديغول الذي أقام الجمهورية الخامسة، وهي بدورها تقترب من التحلل...

يتوجسون من أن تكون مارين لوبن نجمة الجمهورية السادسة. كل ذلك التراث الفذ يتلاشى بين «أصحاب السكاكين الطويلة». غريب أن يقال لك في باريس «لقد بتنا نفتقد رجال الدولة. هؤلاء الذين يصنعون الدولة، لا أولئك الذين تجرهم الأحداث مثلما تجرّ النساء الفارهات، والمسنّات كلابهن على الأرصفة» !

يتوجسون أيضاً من أن تنطبق نظريات آلان دونو حول «نظام التفاهة» على الوضع الحالي في فرنسا. الاليزيه يكاد يكون فارغاً، بعدما تدنت شعبية ايمانويل ماكرون أكثر من 70 %. للتو يجول في رأسك ما يحدث في لبنان. نتجاوز ما كتبناه عن «ثقافة التفاهة»، وحيث تحولت التفاهة كما الفساد الى وباء ايديولوجي.

الوزير السابق نقولا نحاس ابتكر، في وصف بارونات السياسة عندنا، مصطلح الـ Vetocracy ، لنتذكر ما كتبه عالم السياسة الفرنسي موريس دو فرجيه حول البنى الفلسفية للدولة المركبة. هنا مهمة رجل الدولة أن يعرف كيف يصل الى الآخر، لا أن يوصد الباب في وجه الآخر، ما يشي بزوال منطق الدولة، وحتى بزوال وجود الدولة...

هذه هي الـ Vetocracy التي لا تمت الى الديموقراطية بصلة. نوع غرائبي من التوتاليتارية السياسية. غالبية الساسة في بلادنا يتموضعون وراء لاءاتهم (اللاءات المقدسة)، دون أن تكون هذه نتاج قيم أو مبادئ وطنية، وانما انعكاس غرائزي لنزوات شخصية، أو لحجب القصور في الابداع السياسي.

هكذا يرى مثقفون واعلاميون فرنسيون غالبية أهل الساسة عندنا. مخلوقات والت ديزني، وتدار بالريموت كونترول من الآخرين، أياً كان صنف هؤلاء الآخرين.

ظاهرة ليست بالمستحدثة في يومياتنا السياسية. توارثناها من القرن التاسع عشر، وربما من الزمن الفينيقي، اذا عدنا الى كتاب الوزير الأنكليزي و. طومسون «الأرض والكتاب» (1860 ) طوائف تكره بعضها البعض. الجميع ذئاب الجميع (توماس هوبز)، دون الارتقاء الى منطق الدولة ما دامت هذه الطوائف قد استساغت (مثلما نستسيغ مرارات القضاء والقدر)، الرقص بين سروايل أو بين أراكيل القناصل.

استطراداً، نتوقف عند مقابلة أخيرة مع سمير جعجع الفخور بلقب «الحكيم». وما أدراك ما تعني كلمة «حكيم» في اللغة وفي الفلسفة وفي التاريخ ! حملة ضروس ضد «حلف الممانعة» (باعتبار أن الحلف المقابل منزل من السماء)، وضد سوريا التي زارها منذ أيام الأمير السعودي فيصل بن فرحان. سخرية من كل شيء، ووصف بشار الأسد بالجثة، لينتهي بالرفض المطلق لانتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية.

لا بد لـ «الحكيم»، ولبنان الآن عند أكثر من مفترق دراماتيكي، أن يستند الى جهة معينة، او الى احتمالات معينة لينطق بما نطق به، وان حاول افهامنا أنه الناطق باسم السعودية التي، وبحسب ما تقوله الوقائع، تتجه الى اشاعة مناخ من التفاهم والتعاون في أرجاء المنطقة.

لا يعنيني أي مرشح لأن الأزمة اللبنانية أزمة بنيوية، لا أزمة شخص، ولا أزمة موقع. لكننا نعلم أن زعيم «تيار المردة» أسقط حائط الدم. تصرف، وحتى قبل أن يطرح اسمه، كفارس يضع جانباً ثقافة الثأر. ولنتذكر أن الاسبان غداة الحرب الأهلية، وضعوا ميثاق النسيان (Pacto Del olvido). أليس هذا ما تقول «الحكمة» يا «حكيم»؟

السعودية هي ضد أي مرشح من المنظومة السياسية الحالية، بمن فيهم جعجع، مع مراعاة حساسية الفسيفساء الطائفية في لبنان، حيث أكثرية النواب المسيحيين والنواب السنّة ضد مرشح «الممانعة» !

اشارة هامشية فقط، احدى الجهات تدّعي أنها طرحت أمام السفير وليد البخاري اسم وزير سابق، خلق ليكون جثة، وتنقل كجثة، في كل مناصب الصدفة (غالباً ما تضع الصدفة نفسها بتصرف الأغبياء).

«الحكيم» بما أوتي من حكمة، لا يعترف بالاتفاق السعودي ـ الايراني، ولا بأن المشهد الاقليمي مقبل على تطورات مثيرة. هذه المرة، في معراب يطبخ رئيس الجمهورية. تواضع يا رجل. للآخرين... تواضعوا!! 

الأكثر قراءة

نهاية الزمن اليهودي في أميركا؟