اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

يُعد اتّساخ مياه البحر بمخلّفات «البلاستيك»، او النفايات من أشرس الملوثات التي تواجه الأرض. ويتأذى جسم الانسان لدى احتكاكه بها، بسبب المواد الكيميائية المتحللة او المستقرة او الطافية على سطح المياه جراء الكائنات الحية الدقيقة، التي يمكن ان تؤدي الى تدنيس المياه وتصبح سامة. وقد تنتقل الى الثروة البحرية، وهو ما يعتبر جسيماً لجهة الأكوام البلاستيكية المجهرية وغير المجهرية في قاع البحر. والتوهّم ان هذا التكديس لا يضر او ينفع، هو اعتقاد سطحي، لان الدراسات اثبتت عكس ذلك، أي ان بعض أنواع «البلاستيك» قد تتحلل وتنتقل الى الأسماك، وتصل الى البشر عن طريق اكلها، والذي قد يدفع الى الإصابة بأمراض مزمنة مثل السرطان والتهاب الكبد (A).

الماء أساس الحياة

الماء مصدر ضروري لجميع الكائنات، فاذا أصبح هذا العامل ملوثا يتسبب بمخاطر صحية للكائنات الحيّة كافة. كونه يوظّف في التصنيع والتنمية الاجتماعية والاقتصادية. وهناك أشكال مختلفة من التلوث، خاصة ان الماء يذيب مواد أكثر من أي سائل آخر، ما يعني انه معرّض بسهولة أكبر للتلطّخ بالصرف الصحي ومياه الصرف الصحي، الزراعة، لاحتوائها على كميات مرتفعة من الفوسفور والنتروجين، فتتنامى الطحالب وتنتج سموما تقتل الأسماك والطيور البحرية، وتلحق الضرر بالبشر.

بالإشارة، الى انه عندما تموت هذه الطحالب، فالبكتيريا التي تفرزها تتحلل وتسحب الاوكسجين الذي في الماء، ما يسفر عن نقص فيه، فتتحول هذه المناطق الى ضحلة لا يمكن للأسماك البقاء فيها.

قمامة وبلاستيك

انّ مقدار تمرّغ المياه اللبنانية وقعر البحر بـ «بقايا البلاستيك» مخيف، سواء من العبوات الفارغة، او عن طريق مخلّفات الناس الذين يتخلصون منها، برميها في البحر او بتركها على الشاطىء، ليعاود الموج جرفها اليه، وهناك بعض الجماعات يتقصدون جلب نفاياتهم وتركها بالقرب من المياه، على قاعدة «ما حدا شاف ولا حدا دري».

السيد أدوار وصف ما يجري على شط ضبيه حيث يعمل، فقال: «يأتي الناس للاستمتاع بالبحر وللترويح عن النفس وللتسلية، ويقوم هؤلاء بالأكل والشرب وترك اوساخهم مجمّعة على الشاطىء، ثم يغادرون المكان من دون رفع مخلفاتهم».

وفي سياق متصل، قال الصيّاد هاراك لـ «الديار»، «عندما استخدم الشبكة في الصيد، فإن اطنانا من عبوات المياه الفارغة تعلق فيها، وهناك اوساخ وفضلات كيميائية ومواد صناعية غريبة، وهذا يدخل الى بطن السمك ومن ثم ينتقل الينا».

مسح شامل

بالموازاة، قامت مجموعة من الباحثين في المركز الوطني للبحوث العلمية بإجراء دراستين مهمتين، كونهما من اوليات الدراسات في منطقة شرق البحر المتوسط، وذلك بمسح 10 مناطق بحرية يبلغ عمقها بين مترين و120 مترا، الى جانب 22 موقعا مائيا، لرسم خريطة توضح نقاط التلوث بأشكال «البلاستيك» على طول الشاطئ اللبناني.

وتوصلت الدراسة الى ان حوالي 650 مليار قطعة «بلاستيك» تعوم في حوض البحر الأبيض المتوسط، ويصل وزنها الى 660 طناً، وأكثر من 80% كناية عن قطع من «البلاستيك المجهري»، وهو من اللدائن الدقيقة «ميكروبلاستيك» وجسيمات صغيرة توجد في البيئة الحيوية المحيطة، وتتمثل بأبعاد ميكروئية صغيرة، ويكون عادة نصف قطرها اقل من 5 ميليمتر.

ولبنان الذي يعيش ما يفوق الـ 64% من سكانه على البحر، لا ينتبه هؤلاء الى الكارثة التي تحدق بهم جراء «البلاستيك» الذي يقذفونه بطرق شتى، اما عن طريق النفايات المنزلية او الصناعية او الزراعية، او مصافي المجاري الممتدة الى قاع البحر، الى جانب المكبّات العشوائية وبقايا الأدوات الطبية والاعلاف وغيرها. هذه العوامل تتسبب بمصائب صحية وبيئية فتّاكة، نظرا الى صعوبة إعادة تدويرها، كما انها قد تتحلل وتدخل جسم الانسان، اما عن طريق استهلاكه للمأكولات البحرية او السباحة.

وفي السياق، توصلت فرق البحث العلمي الى معاينة 22 موقعا بحريا لقياس كمية «البلاستيك المجهري»، والعينات جاءت على الشكل الاتي: أكثر من 23 ألف قطعة بتركيز يساوي 12.1 من كل متر مكعب في المياه. وأشار الباحثون الى ان الأرقام تظهر تركيزا مرتفعاً لـ «البلاستيك المجهري» في مناطق صب المجارير والمطامر، بحيث ان الكمية في منطقة المنارة تجاوزت الـ 5000 قطعة، والكوستابرافا 7200 قطعة.

لبنان الأعلى

ويسجّل لبنان اعلى نسبة رواسب بلاستيكية بحدود 1363 قطعة لكل كيلوغرام. وفي هذا الإطار ذكرت الدراسة ان نسبة التلوث هائلة في «الكوستابرافا»، حيث تصل كمية قطع البلاستيك المجهري في بعض الأماكن الى 4500 قطعة لكل كيلوغرام من الرواسب، وتشكّل الانسجة 47% منها، والاغشية 32%، والقطع 17%، والخرز 3%. الى جانب الاختلاف في الشكل، هناك تنوع في المركّبات الكيميائية للبلاستيك مهولة بمحاذاة الشواطئ، بينما تؤلف الاغشية والانسجة غالبية «البلاستيك المجهري، المتوافرة في الرواسب البحرية المستقرة في أعماق بعيدة.

بالإشارة الى ان المركز الوطني للبحوث العلمية بصدد استحداث دراسة جديدة عن مدى التلوث في البيئة البحرية. وفي هذا السياق، كشفت مصادر المركز لـ «الديار»، ان فريق البحث يتوقع ان تكون نسبة التلوث قد ارتفعت، مشيرة الى ان المركز سينتهي من بحثه المستحدث أواخر شهر حزيران المقبل.

فقر في الإدراك

عن هذا الملف قالت النائبة نجاة عون صليبا لـ «الديار» ان قضية التلوث في البحر «تظهر عمق قلة الادراك والافتقار للوعي، في ظل غياب كامل للتدابير الوقائية اللازمة لجهة إيجاد حلول غير ترقيعية للنفايات». وقالت: «استعاضوا عن رميها في البحر مباشرة، بتشييد مكبّات على البحر في كل من طرابلس وصور وصيدا وبرج حمود والجديدة والكوستابرافا».

وأضافت «لم يتنبّهوا الى عملية رفع القمامة بطرق صحيحة ومدروسة من خلال وضعها في هذه المطامر بأسلوب يطيل من بقائها لفترات أطول، بل عمدوا الى انشاء جدران صغيرة التي من شأنها ان تؤدي الى تكديس البقايا، لينتهي بها الامر في البحر، لان هذه الاكوام لا يمكنها ان تستقر داخل المطمر، كونها تُقذف الى الأعلى».

واردفت «لهذه الأسباب مجتمعة توجد كميات من البلاستيك كبيرة، وهذا يدل على الافلاس في الإرشادات التي يجب ان تعمل على توعية المواطنين عن كيفية التخفيف من القمامة قبل ان تصل الى المكبات»، وقالت: «نحن شعب نستهلك معدلات كبيرة من هذه المادة المختلفة الأنواع والاحجام، في ظل غياب خطة تعمل على إعادة تدويرها، ومن هنا تأتي مشكلة القمامة بما في ذلك سوء الإدارة ، الى جانب قصر النظر الذي نتج منه مكبات على البحر، بدلا من ان تكون في أماكن بعيدة وآمنة».

اما عن البلاستيك المستقر في البحر فشرحت صليبا: «هذا الامر يؤدي الى الكثير من المخاطر، خاصة إذا كان البلاستيك مقطّعا الى أقسام صغيرة نتيجة اصطدامه بباخرة، فيقوم السمك بأكله، وهذه الجزيئات الصغيرة تعيش في بطون الأسماك ولا تتحلل وتنتقل الى الانسان». وختمت صليبا «من المعروف ان البلاستيك يعيش لفترات طويلة ويؤدي الى رواسب في قاع البحر، ونزعه بهدف إعادة تدويره للتخفيف من مخاطر التلوث يعتبر من الأمور المستعصية وحتى المستحيلة».

في الخلاصة، قد يتناول أي شخص الجسيمات البلاستيكية الدقيقة عن طريق المأكولات البحرية المتسخة. وتشير الدراسات الى ان اللدائن الدقيقة قد تسبب الاجهاد التأكسدي والالتهابات واضطرابات التمثيل الغذائي لدى البشر، الذي ينتج منه الإصابة بالأمراض السرطانية وتغيير في وظائف المخ وأضرار بالمناعة والجهاز التناسلي وغيرها من الامراض. 

الأكثر قراءة

طريقنا... طريق واشنطن ـ طهران