اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

تنكفئ السعودية عن لبنان احيانا، لكنها لا تتركه وتعتبره من فضائها السياسي وفي محيطه العربي، وتبني موقفها من حروبه وازماته والتحالفات التي تنسجها، على ضوء ثوابت سياسية، واحيانا تصيب وفي بعض الاحيان تخطىء، لتطورات غير محسوبة او لتقديرات لم تكن تتوقعها.

وفي هذا الاطار، فان المملكة لا تغيب عن الساحة اللبنانية التي تتلقى الازمات، سواء التي تعصف من داخلها او التي تصل اليها، او تلك التي تهب عليها من عواصف لمشاريع مرسومة للمنطقة ولبنان منها، وهذا ما ربط في بعض المراحل ازمته بأزمة المنطقة او حروبه، بحرب باردة قامت بين دول لمصالحها، او ساخنة اندلعت بين محاور عربية او اقليمية ودولية، وكانت ازماته تنتهي مع انتفاء المخططات الخارجية او خسارتها في لبنان او الاقليم.

ويبدو ان السعودية التي رفعت شعار «صفر مشاكل» مع ولي العهد الامير محمد بن سلمان، الذي رسم رؤية جديدة 20/30 ، فان التوجه في المملكة هو نحو الاقتصاد والتنمية، ووقف صرف الاموال على حروب مدمرة وقاتلة، حيث ينقل متابعون لهذه الرؤية وللسياسة السعودية الجديدة عن الرياض، جدية هذا الطرح الذي مورس بالاتفاق السعودي – الايراني الذي رعته الصين، والتي توجهت الرياض اليها كشريك اقتصادي وابتعدت عن «الحليف العسكري والامني اميركا»، التي شغلت مصانعها للاسلحة الحربية لبيعها لسوق الخليج، الذي قدمت نفسها له بأنها حامية امنه، عبر قواعد عسكرية اقامتها في عدد من الدول الخليجية، او من خلال «مخفرها اسرائيل»، فشجعت واشنطن على حصول «اتفاقات سلام» معها او اقامة تطبيع اقتصادي وثقافي وديني وامني.

هذا التبدل في السلوك السياسي السعودي، بدأ يترجم بوقف الحروب في الدول العربية التي اشتعلت فيها ، وفي تعزيز العلاقات مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، وكانت سريعة وفق المتابعين لاداء القيادة السعودية، وقد تجلى ذلك في نقل مواطنين ايرانيين من السودان واستقبالهم من قبل مسؤولين سعوديين بحفاوة بالغة، اضافة الى الاسراع في نقل العلاقات مع طهران الى مستوى متقدم.

لذلك سيتأثر لبنان في الاداء الجديد للمملكة، التي غيرت ايضا من تعاطيها مع القوى السياسية فيه، لا سيما الحلفاء منهم، اذ يتحدث مسؤولون سعوديون عن اشمئزاز من مواقف صدرت مؤخرا من اطراف تقدم نفسها حليفة السعودية في لبنان، والتي لم يتطابق خطابها السياسي مع التطورات التي تحصل كمثل الاتفاق السعودي – الايراني ، والتقارب مع سوريا، وتصغير المشاكل، كما في النظر الى ان الرياض ستسقط الخصومة التي وصلت حد العداء مع حزب الله بسبب حرب اليمن، وما تبعها من تداعيات سياسية وعسكرية وامنية، حيث كانت العلاقة جيدة بين الرياض وحارة حريك، وزار اكثر من سفير سعودي الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، كما ذهب وفد من الحزب الى السعودية مطلع 2007 برئاسة نائب الامين العام الشيخ نعيم قاسم، وسبق ذلك قيام تحالف رباعي يبن «امل» وحزب الله من جهة، «وتيار المستقبل» والحزب «التقدمي الاشتراكي» من جهة ثانية، اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005.

فما قبل الاتفاق السعودي – الايراني ليس كما بعده، وتأمل الرياض من حلفاء لها اجادة قراءة المتغيرات وبشكل موضوعي وواقعي، حيث توقفت المملكة امام المواقف التصعيدية لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، لا سيما وصفه للرئيس السوري بشار الاسد بـ «الجثة السياسية»، حيث تزامنت مواقف جعجع مع استقبال الاسد لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان. وهو ما سبق وقاله وليد جنبلاط بعد وقوع الاحداث في سوريا عام 2022 ، بانه ينتظر «جثة عدوه على ضفة النهر»، ويقصد الرئيس الاسد الذي وصفه في ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري بـ «القرد».

من هنا، فان السعودية لا ترى ومن خلال تجربتها وبالممارسة، بان حلفاءها في لبنان على مستوى الاحداث ولا يكوّنون رؤية، وهم يأخذون لبنان رهينة لمصالحهم، حيث ثبت ان ما يهمهم من علاقتهم بالمملكة هو الاستفادة المالية، اذ يكشف مسؤولون فيها عن عشرات المليارات من الدولارات دفعت في لبنان منذ حوالى اربعة عقود، وذهبت الى جيوب زعماء سياسيين، فلم يقوموا بأي مشروع اقتصادي او تربوي وصحي، بل تكديس الاموال في المصارف او خزناتهم، حيث تبلغ النقمة ذروتها على «الحريرية السياسية» التي تخلت عن الانماء في المناطق اللبنانية لا سيما الريفية وتلك ذات الكثافة السنية، وتركتها محرومة ومهملة ودون بنى تحتية ومشاريع انتاجية، وهذا ما ينطبق على آخرين من الحلفاء في 14 اذار، وابرزهم «الاشتراكي» و«القوات».

ووفق ما ينقل المتابعون الذين يؤكدون على رؤية جديدة تقدمها السعودية للبنان، تبدأ باسقاط الفاسدين وتجريمهم في نهب المال العام والخاص دون استثناء اي طرف، لا سيما من «آثروا من مال السعودية»، التي صممت على «تسكير حنفيتها» في لبنان للخاص، وفتحها امام مشاريع تنموية لجهات موثوقة، وعبر صندوق مالي سعودي – فرنسي. 

الأكثر قراءة

نهاية الزمن اليهودي في أميركا؟