اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

في الوقت الذي بدأ فيه العدّ العكسي لإعادة النازحين السوريين من دول الجوار والعالم الى بلادهم، طالعتنا المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان بطلب «غريب عجيب»، لا سابق له إذ تقدّمت بمذكرة الى الأمن العام اللبناني طالبته فيها بما معناه «توطين مليون و600 ألف نازح سوري في لبنان»، رغم نفيها لهذا الأمر من جهة، موضحة في بيان لها أنّها لم تطرح قضايا تتعلّق بالتعليم أو بالحصول على العمل بل بالحماية الدولية، وكأنّها تريد حماية النازحين السوريين الذين يستضيفهم لبنان منذ أكثر من 12 عاماً على جميع أراضيه من الدولة اللبنانية نفسها، ورغم علمها من جهة ثانية بأنّ لبنان ليس بلد لجوء، وهو ليس موقّعاً على معاهدة فيينا في العام 1951 بل هو بلد جوار يستضيفهم بشكل مؤقّت الى حين تحقيق عودتهم إمّا الى بلادهم أو الى بلد ثالث كوطن بديل في حال كانوا لا يرغبون بالعودة الى سوريا لسبب أو لآخر.

أوساط ديبلوماسية مطّلعة أكّدت لـ «الديار» بأنّه بحسب إتفاقية فيينا الخاصّة بوضع اللاجئين، والتي لم يُوقّع عليها لبنان ما يجعله غير ملتزم بها، فإنّه لا يحقّ للأمم المتحدة أو للمجتمع الدولي التعامل معه على غرار الـ 139 دولة في العالم الموقّعة على هذه المعاهدة. من هذا المنطلق لا يمكنهما اعتباره بلد لجوء أو رمي عبء النزوح السوري على كاهله، أو الطلب منه تجنيس النازحين السوريين (أي توطينهم بطريقة مبطّنة)، أو غير ذلك كونه من ضمن دول الجوار، وقد استضاف النازحين السوريين على أراضيه بشكل مؤقّت الى حين تحقيق عودتهم إمّا الى سوريا أو الى أي بلد ثالث من بلدان اللجوء.

وما لا تُدركه المفوضية حتى الآن، التي شدّدت في بيانها التوضيحي الأخير أنّها «لا تدعو الى تجنيس «اللاجئين» السوريين في لبنان بل تُدافع عن التعايش السلمي»، هو أنّ السوريين في لبنان هم نازحون، وليسوا لاجئين. فاتفاقية فيينا تُعرّف بأنّ المقصود بلفظة «لاجىء» هو حصول هذا الأخير على حقوقه من حرية المعتقد والتنقّل من مكان الى آخر في بلد اللجوء، والحقّ في الحصول على التعليم، ووثائق السفر وإتاحة الفرصة للعمل، مع التشديد على أهمية التزاماته تجاه الحكومة المضيفة. ولكن رغم ذلك، ترى المفوضية بأمّ العين كيف يقوم النازحون السوريون بكلّ هذه الأمور في لبنان نظراً للحرية التي ينعم بها البلد ولأنّه لم يجرٍ تقييد حريتهم من قبل الدولة «المتسامحة معهم»، على ما ينص عليه الدستور اللبناني والقوانين ذات الصلة.

وأشارت الأوساط نفسها الى أنّ ما فعلته دول أوروبية عدّة تُعتبر دول لجوء مثل ألمانيا وبلجيكا والدنمارك، عندما قامت بترحيل أو بطرد عدد كبير من اللاجئين السوريين لديها، يُنافي أحد الأحكام الرئيسية في اتفاقية فيينا المتعلّق بعدم جواز إعادة اللاجئين- والمصطلح القانوني هو حظر الطرد أو الردّ- الى بلد يُخشى فيه التعرّض للإضطهاد. ولم يقم المجتمع الدولي باتهام هذه الدول بعدم الإلتزام بأحكام الإتفاقية المذكورة، كما أنّه لم يتهمها بالعنصرية تجاه اللاجئين التي قبلت طلبات لجوئهم، وإلّا لما استقرّوا فيها. وأكثر من ذلك، عندما جرى تهديد الدول الأوروبية من قبل تركيا بأنّها ستفتح أبوابها أمام النازحين السوريين لديها للوصول الى أوروبا، ولتتحمّل الدول فيها المسؤولية، نجد المخطط الأوروبي قد بدأ بهدف «توطينهم» في لبنان، من خلال قيادة ألمانيا له من خلال إبقائهم فيه لكي لا يلجأوا اليها من جديد. ومن أجل تنفيذ مخططها هذا، تقوم ألمانيا بتمويل مشاريع في مناطق ريفية عدّة وتشترط أن يتولّى إدارة المشروع نازح سوري وليس شخص لبناني. في حين أنّه في تركيا حيث ارتفعت أسعار إيجارات المنازل وغيرها من الأمور، اتخذت الدولة التركية قرار إعادة النازحين السوريين الى بلادهم، رغم أنّهم يُشكّلون نسبة ضئيلة من عدد سكّانها، بمساعدة المجتمع الدولي لها، ولا سيما دول أوروبا. كذلك قرّرت الأردن إعادتهم رغم أنّها كانت من بين دول الجوار التي حصلت على مساعدات ضخمة لاستقبال عدداً ليس كبيراً منهم. أمّا لبنان فيعاني من عبء النزوح الذي بلغ 40 مليار سنوياً مع وصول عددهم الى نصف عدد سكّانه، ما بات يُهدّد كيانه ويمسّ بديموغرافيته، ولا ترى الأمم المتحدة بعد أنّه آن أوان إعادة النازحين منه الى مناطقهم.

وبحسب إتفاقية فيينا يُعطى اللاجىء بطاقة «حماية مؤقتة» ما دام على أراضي الدول التي لجأ إليها. كما هو حاصل في تركيا إذ يتجوّل النازحون السوريون بواسطتها ضمن الأراضي التركية. أمّا في لبنان غير الموقّع على هذه المعاهدة، فقد طُرح في «ورقة السياسة العامة لإعادة النازحين السوريين الى بلادهم» التي أُقرّت في العام 2020، منح بطاقة «إثبات وجود» لكلّ نازح سوري في لبنان. وقد جرى تكليف وزارة الشؤون الإجتماعية بإجراء تعداد شامل للنازحين السوريين في سائر المناطق اللبنانية عن طريق البلديات والمخاتير، بهدف إعطاء بطاقة «إثبات الوجود» هذه لكلّ نازح وعائلته، كونها تُجيز لهم التنقّل ضمن حدود الدولة اللبنانية. وقد أعطيت لهم مهلة معيّنة للتسجيل، وبعد انقضاء هذه المهلة يُعدّ كلّ متخلّف خطراً على السلامة والأمن العامَين، وتُطبّق بشأنه جميع الأجراءات المنصوص عنها في القوانين. وهذه البطاقة ليست إقامة، بل بطاقة «إثبات وجود» لتعداد النازحين السوريين والحصول على الداتا المتعلّقة بهم.

والسؤال المطروح اليوم، متى ستتحرّك الدولة اللبنانية وتتخذ القرار السياسي بإعادة النازحين السوريين الى بلادهم، قبل أن يتمّ تنفيذ اي مخطط أممي، أو أوروبي لتوطينهم في لبنان؟ علماً بأنّ الذرائع التي تقدّمها الأمم المتحدة كعقبات تحول دون تحقيق عودتهم من لبنان الى سوريا مثل عدم توافر الأمن والسلامة والسكن وخطر تعرّضهم للإضطهاد، تنطبق نفسها على أي عائد، أكان من دول الجوار أو من الدول الأوروبية. ومن هنا، يُنتظر من الحكومة اللبنانية، وإن كانت مستقيلة وتصرّف الأعمال، أن تجتمع إستثنائياً لإتخاذ القرار السياسي الذي يقضي بإعادة النازحين الى بلادهم وفق خطة مدروسة لمواكبة خطط العودة أو الترحيل التي تقوم بها بعض الدول المضيفة لهم.

وتقول الأوساط عينها، بأنّ لبنان يبدأ بتنظيم وجودهم فيه متأخّراً جدّاً، تزامناً مع قرار إعادتهم من دول الجوار، إذ كان يجب أن يقوم بهذا الأمر منذ سنوات عدّة. ولهذا يقوم الجدل اليوم بين الأمن العام والمفوضية على تسليمه الداتا المتعلّقة بالنازحين السوريين، وترفض هذه الأخيرة تسليمها بحجّة أنّه يدخل في صلب مهامها «ضمان حمايتهم»، بما في ذلك القضايا المتعلّقة بمشاركة الداتا والتسجيل. علماً بأنّها أوقفت هذا التسجيل في وقت سابق بطلب من الحكومة اللبنانية، بعد أن خشيت وزارة الخارجية والمغتربين من أن يكون هذا الأمر تمهيداً لمنحهم الجنسية اللبنانية أي توطينهم. وقد اتُفق أخيراً على تشكيل لجنة تقنية للمضي قُدماً ضمن المعايير الدولية لمشاركة الداتا مع الأمن العام اللبناني وحمايتها.

ومن أكثر ما يبدو مستغرباً، على ما عقّبت، هو القول بأنّ الأمم المتحدة ليس لها أن تُقرّر متى سيعود اللاجئون سيما وأنّ هذا الأمر منوط بهم أنفسهم، لأنّه يسري على النازحين السوريين في لبنان فقط، دون اللاجئين من أي دولة في العالم يتمّ ترحيلهم منها.

الأكثر قراءة

نهاية الزمن اليهودي في أميركا؟