اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

سبقني موته، وكنت على وشك الاتصال به، لاطمئن عليه، كما هو يفعل، ونلتقي بين وقت وآخر، وجلست معه، قبل حوالى الشهر، وكان الحديث يركز على التاريخ، وهو من عائلة شاركت في صنع حقبات منه والذي دخلته بالعلم والثقافة، والعلاقة الانسانية مع المواطنين، سواء كانوا من ابناء «الموحدين المسلمين: ويوصفون بـ «الدروز»، فلم تفرق عائلة مزهر بين الشعب الواحد، فكانت دارهم في حمانا موئلاً لكل محتاج وطالب مساعدة او نصيرا لها.

ورشيد مزهر «المقدم»، وهو لقب حازته عائلته مثل كل العائلات السياسية التي توزعت عليها الالقاب من بيك وباشا وآغا وافندي الخ... في زمن السلطنة العثمانية.

فالقاضي مزهر تبوأ مناصب عديدة في القضاء، كان آخرها قبل التقاعد قاضي تحقيق عسكري، وصودف ان حصل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، في ايامه، فوقف مع ضميره الوطني، وحقق في الجريمة التي هزت لبنان، بكل انتماء الى القضاء الحر المستقل، وقدّم ضميره واخلاقه ووطنيته، على اي انتماء سياسي او حزبي او طائفي، وهو الذي لم ينتم الى السياسة التي فصلها عن القضاء، فشنت في فترة حملة عليه، لان من كان في السلطة آنذاك كان يريد التحقيق في عملية الاغتيال، خدمة لمشروع سياسي، لم يقبله القاضي مزهر، حيث كشفت الوقائع، كيف تم «تركيب شهود الزور»، وحرف التحقيق عن الحقيقة، التي تم تضييعها من اهل الشهيد الحريري، كما من الفريق السياسي الذي كان معه، او التحق به.

في جلساتي مع القاضي مزهر، كنت اطلع منه على كثير من الذكريات التي كنت اشجعه ان يكتبها، وهو الذي يملك معلومات كثيرة ومثيرة، اثناء عمله القضائي، كما يحتفظ باسرار سياسية، وعن شخصيات لبنانية، تقلب الكثير من الحقائق او من المرويات التي كانت تنقل مشوهة او مبتورة.

كنت استمتع بالجلسات مع صديق لي واخ كبير، ولم اكن اشعر بغربتي في منزله سواء في بيروت او حمانا، حيث كانت تشاركنا الحديث في كثير من الاحيان زوجته السيدة الفاضلة ليندا العيد، التي كانت قضايا لبنان تشغل بالها.

لم يخف رشيد مزهر رغبته العمل في السياسة، واعادة احياء بيتهم السياسي، لكنه لم يقدم نفسه لاحد، بل ترك الخيار للناس، وهو كان مقصدهم، فرفض عروضاً عديدة، لا سيما تلك التي لا تتطابق مع قناعاته ومناقبيته.

ولم تكن علاقتي متصلة بالراحل فقط، بل ربطتني صداقة بشقيقه المحامي نبيل، ومعرفة بابنه كامل، الذي يشق طريقه في المحاماة، كما في استمرار علاقة عائلته بمرجعيات سياسية او دينية ومع المواطنين.

لقد خسرت صديقاً طيباً متواضعاً، وشخصاً استفدت من خبراته، كما من فكره النيّر، وهو الذي تحلى بكبرياء، ونسج علاقات صداقة، فهو من القضاة اصحاب ثروة بالاخلاق والنزاهة والاستقلالية، انه من نماذج عرفهم لبنان، فكان ضميرا من ضمائره، كما الرئيس سليم الحص الذي وُصف بـ «ضمير لبنان».

فقدنا الرشيد للقيم والمزهر لربيع لبنان الاصلاح، الخالي من الفساد.

الأكثر قراءة

الجبهة بين التصعيد المضبوط والحرب الشاملة... واشنطن تتدخل للجم التدهور زيارة صفا الى الامارات: المقاومة لم تقدم اي تعهدات