اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

يبدو أنّ التوجّه بات اليوم لصناعة الرئيس لبنانياً رغم كلّ التدخّلات من الدول الخارجية التي تجد نفسها معنية بالملف اللبناني، عبر موفديها أو سفرائها في لبنان لدعم هذا المرشّح، أو لمحاولة استكشاف وجهات النظر المختلفة حول الاستحقاق الرئاسي والمرحلة المقبلة من عمر الوطن. فحتى الآن ليس من "كلمة سرّ" أدلت بها أي من دول الخارج المؤثّرة في المشهد اللبناني، رغم انتظارها من قبل البعض، فيما يرفضها البعض الآخر كونها تنتقص من سيادة لبنان واستقلاله ومن قدرة المسؤولين فيه على اتخاذ القرار المناسب خصوصاً الذين ما زالوا ينتظرون الضوء الأخضر أو الإملاءات من الخارج. وهذا الأمر لا ينفي أهمية أن يعزّز لبنان علاقته مع سائر الدول العربية والإقليمية والغربية بعد انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة الإنقاذ وتحقيق الإصلاحات المطلوبة.

مصادر سياسية عليمة ترى أنّ "لبننة" الاستحقاق الرئاسي هي الأساس، أي أنّ هذا ما يجب أن يحصل، من دون انتظار أن ترمي دول الخارج الكرة في الملعب اللبناني، على ما بدأنا نلمس أخيراً بعد كلّ المحاولات التي جرت طوال الأشهر الماضية من الشغور الرئاسي. فهذا الاستحقاق يعني لبنان بالدرجة الأولى، ودوره المستقبلي في منطقة الشرق الأوسط فضلاً عن تموضعه الجديد في ظلّ المتغيّرات التي تطرأ على المنطقة لا سيما بعد الاتفاق السعودي- الإيراني برعاية صينية، والاتفاق الرباعي الأخير في موسكو لإعداد خارطة طريق لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق. فلبنان علّم دول المنطقة الديموقراطية وحرية الإعلام، والأحرى به اليوم أن يكون مثالاً يحتذى به في العمل الديموقراطي، وذلك من خلال ذهاب النوّاب الى المصارحة والمكاشفة على طاولة الحوار، توصّلاً الى إجراء الاستحقاق الرئاسي واختيار رئيس الجمهورية.

وتقول انّ المشاركة والمساعدة من قبل السعودية وقطر وإيران، كما من أميركا وفرنسا مشكورة، ومن شأنها تذليل العقبات، غير أنّ جميع الموفدين والسفراء يردّدون العبارة نفسها وهي أنّه "على اللبنانيين اختيار رئيسهم". ولهذا نجد اليوم أنّه ليس من "فيتو" على أي مرشّح للرئاسة من قبل أي دولة خارجية، ما يُسهّل على الكتل النيابية اختيار المرشّحين الذين يملكون المواصفات المطلوبة، سيما أنّ الرئيس أيّاً يكن، لا يملك عصا سحرية تحلّ الأزمات المتراكمة التي يتخبّط فيها البلد. الأمر الذي يفرض على الجميع الالتزام بالمواقيت الدستورية، وانتخاب الرئيس في أسرع وقت ممكن، ومن ثمّ التكليف وتأليف الحكومة قبل نهاية العام الحالي سيما أنّنا على بُعد أشهر من عمليات استخراج الغاز والنفط من المنطقة البحرية التابعة للبنان، وعلى الدولة أن تكون جاهزة لمواكبة هذا الملف المهم جدّاً والذي من شأنه تعزيز الاقتصاد خلال السنوات المقبلة.

وفي الوقائع، أشارت المصادر نفسها الى أنّ فريق المعارضة لا يزال حتى الساعة يعاني من عدم حسم موقفه، أو اتفاقه على اسم المرشّح الذي سينافس به مرشّح "الثنائي الشيعي" أي رئيس "تيّار المردة" سليمان فرنجية. فرئيس "حركة الاستقلال" النائب ميشال معوّض، قد جرّب حظوظه على مدى الجلسات الـ 11 السابقة، ولم يتمكّن من تخطّي حدود الـ 40 صوتاً. ولكنّه يبدو حريصاً على وحدة المعارضة وعلى أن يبقى الحوار والتعاون قائماً بين الأفرقاء. الأمر الذي يفرض التفتيش عن مرشّح آخر قادر على نيل أصوات أكثر من قبل غالبية الكتل النيابية، لا سيما المسيحية منها. علماً بأنّ المشاورات والإتصالات تتواصل اليوم فيما بينها للاتفاق على اسم المرشّح الذي بإمكانه أن يحوز على الأصوات المناسبة التي توصله الى قصر بعبدا، مع تأمين النصاب القانوني للدورة الثانية من جلسة الانتخاب في حال تمكّن من نيل 65 صوتاً أو أكثر في الدورة الأولى.

أمّا فريق "الثنائي الشيعي" فيبدو متماسكاً وثابتاً أكثر بمرشّحه، فيما المطلوب اليوم، على ما أوضحت، رئيس جامع وعلى مسافة واحدة من جميع الأفرقاء، وحريص على "اتفاق الطائف"، إذ ليس من مجال لوضع "اتفاق طائف 2" إنّما لإجراء بعض التعديلات عليه منعاً للتعطيل أو للفراغ في المؤسسات الدستورية بسبب عدم تحديد المهل. ولكن هذا الأمر يحصل في وقت لاحق في مجلس النوّاب بعد انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة الجديدة. فضلاً عن ضرورة توضيح العلاقة بين رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة المقبلين منذ الآن، لكيلا يقع لبنان مجدّداً في مسألة الفراغ بسبب إطالة أمد التكليف لأشهر أو أكثر.

وكشفت المصادر عينها، أنّ النوّاب السنّة يطالبون اليوم بتوضيحات أكثر في ما يتعلّق بالتصوّر المستقبلي للعلاقة بين رئيس الجمهورية المقبل ورئيس الحكومة. فما يهمّمهم هو احترام صلاحيات رئيس الحكومة وعدم السعي من أي كان الى التعدّي عليها. فالمعركة اليوم هي معركة رئاسة الجمهورية، لهذا يُفترض عدم الحديث منذ الآن عن اسم رئيس الحكومة وعن شكل حكومته قبل أن يصار الى تكليف أي شخصية سنيّة. فالكلام الذي يتعلّق بالثلث الضامن وبمبدأ المداورة في الحكومة يضرب، من وجهة نظرهم، "اتفاق الطائف" الذي يحدّد صلاحيات كلّ من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، ومن ضمنها حفظ الدستور.

من هنا، لفتت المصادر الى أنّ النوّاب السنّة يعتبرون أنّ الحديث عن مبدأ المحاصصة وعن شكل الحكومة هو أمر خاص برئيس الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية، ويحصل لاحقاً لدى انتخاب الرئيس وتسمية رئيس الحكومة المكلّف. لهذا لا يُفترض أن يكون هناك شروط مسبقة لتسمية رئيس الحكومة أو حتى على شكل الحكومة المقبلة. كما يهمّهم منذ الآن الاتفاق مع بقية الكتل النيابية ليس على اسم الرئيس المكلّف، إنّما على احترام صلاحياته وعدم وضع أي شروط لتسميته. ويطالبون بالتالي بأن يتمّ توضيح هذا الأمر بشكل أفضل، ومعرفة تصوّر الكتل النيابية للعلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة خلال المرحلة المقبلة، وذلك تلافياً للتعطيل بسبب ما يعتبرونه تدخّلاً في صلاحيات رئاسة الحكومة من خارج نطاق الدستور.

ولكن هذا لا يعني عدم حصول اتفاقيات أو تسويات بين الكتل النيابية، على ما عقّبت، إنّما وضع شروط أو الحدّ من صلاحيات رئيس الحكومة أو حتى سلب صلاحياته. لهذا المطلوب اليوم ضمانات للنوّاب السنّة لتبديد هواجسهم في هذا الإطار، ولكيلا تتمّ غلبة فريق على آخر، والالتزام باتفاق الطائف وبكامل مندرجاته.


الأكثر قراءة

طريقنا... طريق واشنطن ـ طهران