اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

تعقيباً على مقالتي «ألا يخاف الأمير من أميركا» ؟ تلقيت اتصالات من جهات ومن بلدان، مختلفة. آراء من كل الأنواع. توفقت عند رأي وزير خارجية سابق، ربما يشاطرني الرأي بأن أميركا، وحتى «زمن» آخر، أشد هولاً من القضاء والقدر...

كلام الوزير يعكس الجانب الأهم في مسار العلاقات بين قصر اليمامة والبيت الأبيض، مستذكراً اللقاء بين الرئيس دونالد ترامب والأمير محمد بن سلمان في المكتب البيضاوي. الرئيس الأميركي كان يمسك بلوحة تظهر بعض صفقات السلاح التي عقدتها الرياض مع واشنطن.

دون الحد الأدنى من اللياقة، وأمام الكاميرات، قال ما معناه «هذه صفقات بالملاليم، وأنتم تمتلكون المليارات». تجاهل كلياً الخدمات الاستراتيجية التي قدمتها المملكة لبلاده على مدى نحو قرن، اضافة الى الصفقات والاستثمارات والودائع العملاقة في المؤسسات والبنوك الأميركية.

آنذاك، اعترانا الذهول حين قابل ولي العهد السعودي كلام مضيفه بابتسامة، ظننا أنها ابتسامة الخنوع في حضرة الامبراطور، وان كانت ساورتنا أفكار أخرى حول معنى الابتسامة، قد تتطابق مع أفكار الوزير «تلك اللحظة شكلت نقطة التحول في عقل وفي رؤية الأمير لأميركا».

لعله رأى في ترامب شخصية «شايلوك» في رائعة شكسبير «تاجر البندقية». اذاً، العلاقة لم تكن علاقة بين حليفين (الند للند)، وانما علاقة الأعلى والأدنى. مسألة تقتضي اعادة النظر بهذا الاختلال، وان بدا ذلك للوهلة الأولى، لكأنه الصعود الى القمر على ظهر ناقة.

ترامب الذي يمتلك الكثير من مواصفات الليدي غاغا، لم يكتف يتلك الاهانة (العلنية). لدى لقائه الملك الأب في تشرين الأول 2018، فاجأه بالقول «أيها الملك لديك تريليونات الدولارات، ومن دوننا لا أحد يعلم ماذا يحصل. ربما لا تستطيع الاحتفاظ بطائراتك التي قد تتعرض للهجوم، لكنها ستكون بمأمن لأننا نحن نؤمن لها الحماية» !

دون أي احترام لمقام الملك، ردد هذا الكلام في لقاء جماهيري في وست فرجينيا، ليمضي في تغريداته الهيستيرية «لولانا لاجتاح آيات الله بلدان الخليج في 12 دقيقة». في وقت لاحق... «في أسبوعين».

نعلم ما يمكن أن تكون عليه ردات الفعل (السيكولوجية على الأقل) في بلاط له مفاهيمه الشديدة الدقة، والشديدة الحساسية لتقاليد ولقيم متوارثة، ومن المستحيل أن يتقبل مثل تلك الاهانات. هنا، بدأ شيء ما يتشكل داخل الأمير محمد بن سلمان...

الوزير يرى أن السعوديين لا يستطيعون الذهاب بعيداً في المواجهة مع أميركا. كأمبراطورية يقودها المجانين، يمكن أن تقدم على خطوات كارثية تهدد المستقبل السعودي، اذ بامكانها أن تطارد الاستثمارات والودائع السعودية في مناطق شتى من العالم. شركة «آرامكو»، جوهرة الاقتصاد السعودي، في الرأس الأميركي.

الأميركيون يضعون ملف أحداث 11 أيلول 2001، بخفاياه الرهيبة، وبتورط بعض الشخصيات الحساسة، كسيف الملك آرثر على الرأس السعودي. التعويضات المطلوبة بتريليونات الدولارات.

ولكن، ماذا اذا لوحت دول مجلس النعاون بقطع امدادات النفط ؟ الأميركيون يقولون ان لديهم الاكتفاء الذاتي، مع الاتجاه الى وسائل «ثورية» لتوليد الطاقة.

هل يعني ذلك استحالة السياسات المستقلة عن أميركا، حتى اذا ما عاودت السعودية علاقاتها مع سوريا، سارع المشترعون في الكونغرس الى الاعداد لقانون جهنمي يحول دون أي دولة والتطبيع معها ؟

بالرغم من كل ذلك، ثمة قناعة لدى الكثيرين بأن الأمير محمد بن سلمان الذي يستقطب الغالبية الساحقة من السعوديين، والذي قضى على الزوايا العفنة في كل مراكز السلطة، يعرف، بسياسات التوازن مع القوى العظمى، وبانهماك واشنطن في صراعات مصيرية أن يتعامل مع مواقفها المجنونة. ماض في التطبيع سوريا وايران.

اذ فتح أبواب المملكة أمام الاستثمارات الصينية العملاقة، رفض أن تكون بلاده شريكاً في المشروع الأميركي لمد شبكة للسكك الحديدية بين الهند واسرائيل، مروراً بالخليج، لقطع الطريق على طريق الحرير.

توازن الرعب بين الأمبراطورية والمملكة ؟ 

الأكثر قراءة

المجازر الاسرائيلية طالت الهبارية والناقورة واستشهاد 12 مدنيا والمقاومة ردت بقصف عنيف لـ«كريات شمونة»