اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

يعتبر الكذب من التصرفات الشائعة جدا في المجتمع، وقد يكذب الأشخاص للحفاظ على مشاعر الاخرين ويطلق على هذا النوع «كذبة بيضاء» كونه لا يؤذي أحدا. وقد يكون التزييف كبيرا وبالتالي الاثار السلبية المترتبة نتيجته وخيمة. وقد يتحول الى مرض قائم بحد ذاته ويشكل مشكلة خطيرة إذا لم يتم علاجها منذ البداية، بالإشارة الى انه لا يوجد كذب ابيض واخر اسود لان كلاهما واحد.

ويكذب الطفل خوفا من العقاب بهدف تبرئة نفسه من فعل قام به، او ينسج قصة بعيدة عن الواقع، او ينسب ما قام به الى شخص آخر. وهذا الامر مقلق في حال تحوّل الى سلوك يلجأ اليه إزاء تعرضه لأبسط المواقف.

بالموازاة، يراوغ الطفل لسبب ما، لأنه لا تحدث مثل هذه التصرفات بدون علّة وذلك بحسب علماء النفس، وقد يكون وراء ما قام به مبررات إيجابية منها ما قد يعكس النماء الادراكي السليم له، ورغبته بأن يختبر ردة فعل ذويه حيال تحايله. وعلى مقلب آخر، قد يكون الاهل الذريعة فيما يقوم به ابنهم، بعضه مرتبط بالخيال الخصب للأخير.

الكذب حُجة لكنه لا يُنجّي!

في سياق متصل، علمت «الديار» ان الطفل م. تشاجر يوم أمس مع زميله داخل الصف في احدى مدارس منطقة صور، فقامت المعلمة بإرسالهما الى الناظر بهدف ضبطهما، فوجه الاخير لهما إنذارا واعادهما الى الحصة، فعاودا الكرّة. هنا تم طردهما على ان لا يعودا الا مع ذويهما.

وفي السياق، اتهم الطفل م. (9سنوات) الناظر بضربه وتعنيفه مما اثار حفيظة خاله وأهله وسرّبوا صورا تُظهر ان ابنهم تعرّض للأذية. «الديار» اتصلت بخال الأخير الذي أوضح ان هناك سوء تفاهم قد وقع، والأمور ذهبت نحو التعقيد بعد ان تحولت الحادثة الى قضية رأي عام في المنطقة». واعترف الخال، «ان ابن شقيقته كذب ولم يقل الحقيقة كاملة وان اثار الضرب على وجهه ورقبته هي نتيجة تعاركه مع رفيقه».

من جهته أكد مسؤول الهيئة التربوية في صور الأستاذ احمد صالح لـ «الديار»، «ان التلميذ م. ن تستر وراء الكذب خوفا من والدته التي تُجازيه بشدة، والطفل اعترف انه زيّف الواقعة. وهذا ما دفع بالوالدة للتوقيع على ورقة مفادها ان ابنها مشاغب وهي دائما تعاقبه بقسوة لهذا لجأ الى الدجل خوفا منها».

الكذب ان تكرر يصبح طبعا

يعتبر الاختصاصيون ان الفرد الذي انتقى الأكاذيب أسلوبا للحياة يخفي مجموعة من الأهداف المحددة للغاية التي تشمل في الأصل الرغبة في حماية الذات او لمصلحة شخصية. ولكن الخوف التام عندما تصبح هذه الممارسة عادة دائمة. وقد اظهر أطباء الاعصاب، ان دماغ الشخص الكاذب يعمل بشكل مختلف عن الاخرين وقد تصبح عقول هؤلاء مدربة بدهاء لهذا الغرض.

وفي تقرير للكاتبة فاليريا سابتير نشرته مجلة «لامنتي اس مارافيوسا» الاسبانية، «ان الدماغ البشري يتميز بمرونته، لذلك من غير المفاجئ ان نعلم ان الكذب مهارة يكفي ان نمارسها يوميا للحفاظ عليها».

وتطرقت الكاتبة الى نقطة مهمة جدا، «انه مثلما الصدق نتيجة التدريب المستمر والتعوّد، كذلك الكذب، الذي يبدأ بأضاليل صغيرة ثم يتحول الى عادة، ولكن الزور المتواصل يدفع الدماغ الى حالة تدريجية من عدم الشعور فيمسي الاختلاق اقل ايلاما ويصبح منهجا في الحياة».

على سبيل المثال، هذا ما يقوم به معظم السياسيين الذين يتمسكون بأفعالهم المختلفة، أي يكذبون ويدافعون عن نزاهتهم المزعومة وهذا السلوك جزء من دورهم كمسؤولين عموميين ويرتبط بعامل بيولوجي.

وفي هذا المجال، اشارت تالي شاروت الخبيرة في علم الاعصاب الادراكي في كلية لندن الجامعية، «الى وجود مكون بيولوجي يتدخل في هذه العملية في حال تكررت، لان بنية الدماغ تتعلق مباشرة بهذه التصرفات غير السوية، وقد ينتهي الامر بهذه الفئة الى الاستغناء عن أي عاطفة او شعور بالذنب».

بالتوازي، شرحت الاختصاصية النفسية والاجتماعية غنوة يونس لـ «الديار» الأسباب التي دفعت بالتلميذ م. ن الى الكذب فقالت: «هذا الامر شائع لدى الأطفال كثيرا، ومردّه فقدانه الاهتمام الكافي، من جهة العائلة وعدم منحه مساحة للتعبير وهذا الامر ينطلي على ردة فعل الاهل اتجاه ما يتفوّه به طفلهم، فلا يخبرهم عن مشاعره خوفا من العقاب او الثواب».

اضافت، «يراوغ إذا نشأ في بيئة فيها الكثير من الوعود الباطلة التي لا تنفّذ وقد يعتمد الكذب كوسيلة من اجل إيصال رسالة ما من وجهة نظره، للتغطية على فعلته او للتخلص من الإحساس بالذنب وتحمل المسؤولية». أضف الى كل ما تقدم، «ضعف الثقة بالنفس وغالبا يعود الى التربية فلم يتعلم الصراحة والصدق وبالتالي وجد نماذج أخرى للتخفيف من القصاص ووسيلة للهرب من التأديب». وأشارت الى نقطة مهمة جدا وهي، «ان التهاون مع الكذب او استخدامه من قبل الاهل يؤثر سلبا على الطفل ذات نفسه».

لماذا رمى الطفل التهمة على الأستاذ؟

اعتبرت يونس، «ان هذا التصرف يتعلق بمشاعر غير مرغوب بها من التلميذ نحو الأستاذ وبالتالي أسقط فعلته على الأخير، ومن المرجح ان الطفل اعتقد ان الأمور لن تتخطى اسوار المدرسة وتتفاقم على النحو الذي حدث».

تابعت، «وربما كذب بسبب قوة ردع ذويه له، او بهدف شد الانتباه نحوه وليقول انا موجود وهذا لأنه مهمل ولديه إحساس بالدونية. والتلفيق قد يواري الكثير من العدوانية وهذا ما قام به التلميذ م.، وهو ما يكشف ان لديه ميولا شرسة، أي انه يتصرف بأسلوب معين ويخفيه بالتمويه للإفلات من عقاب والدته لأنها تؤدبه بشدة».

ونصحت يونس، «بتعليم الطفل ضبط تصرفاته الغير مرغوب فيها، وتدريبه على وضعها في إطار منظم وواضح واستبدالها بتصرفات إيجابية من خلال تعويده على القيم الجيدة التي من شأنها ان تحميه وتحمي الاخرين ويكون ذلك باحترام حدوده، وتفريغ عدوانيته في مجال صحي يساعده على التعبير عن نفسه بأساليب مقبولة اجتماعيا كما يجب على الاهل التقرب من طفلهم لمعرفة ما يحاول قوله او التعبير عنه، لان كل تصرف يقوم به يحمل رسالة تدل على شيء ما، كونه في عُمر يفتقد القدرة على إيصال ما يريد».