اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

من قلة كانت تخاف أن يَتَخَطَّفها الناس من حولها، الى تيار يحتاج الناس إليه كي يَطمئنوا.. هكذا كانت المقاومة في لبنان وهكذا أصبحت بعد ٢٣ عاماً على تحرير الجنوب، الانتصار الذي كان الخطوة الأولى تجاه فلسطين «القضية المركزية» ، وصولاً الى الخطوة الأخيرة تجاهها بحيث باتت اليوم أقرب من أي زمن مضى..

على مدى سنوات، تقول مصادر في محور الممانعة، راكمت المقاومة الثقة بينها وبين شعبها بتراكم إنجازاتها والتجربة، فالمدى الزمني لم يكن هامشياً، بحيث كان مرحلة إعداد إجتماعي عسكري متراكم، وكانت حرب سوريا هي ذروة عملية إعداد المقاتلين، لأن المقاومة كانت تحتاج للقتال في ميدان يُشبه الميدان الذي تسعى لتحريره، سواء كان الجليل أو ما بعده.

قبل ذلك، حصلت حرب تموز عام ٢٠٠٦ بحيث كانت ذروة المحاولات الدولية للقضاء على قوة المقاومة بشكل شرس، إلا أنها خرجت منها قوة إقليمية، مما أدى الى تغيير التكتيكات بمواجهتها بحيث أن الحرب الصلبة لم تنفع في القضاء على مشروعها، لا بل أكثر من ذلك أظهرت نتائج عكسية، فبعد تراكم الإنجازات، رُفع مستوى الثقة بحيث بات هناك شعور عام أن تحرير جنوب لبنان هو مقدمة وليس نهاية المطاف، وما زاد اليوم من أهمية التحرير تَشكُّل محور المقاومة بعده.

واكدت المصادر نفسها انه خلال ٢٣ عاماً نشأت أجيال تربّت على المواجهة والانتصار، وفي ٢٣ عاماً إزداد فشل الرهان على الأنظمة العربية والمؤسسات الدولية، وفي ٢٣ عاماً اتسعت المقاومة في فلسطين المحتلة لتشمل أراضي ٤٨، وفي ٢٣ عاماً أدرك خصوم المقاومة أن حلف التكفير والعملاء والجبناء لم يستطع تغيير المعادلة في سوريا، وفي ٢٣ عاماً فشلت أميركا في السيطرة على العالم وبدأت مرحلة تعدد الأقطاب، بحيث بتنا نرى أميركا و»إسرائيل» وأوروبا أكثر ضعفاً، ودول الشرق المالكة للطاقة والمنافِسة في الإقتصاد والمتطورة في الصناعات، والمتحالفة مع دول في أميركا الجنوبية وافريقيا، أكثر قدرة على قول «لا» الكلمة التي أثبتت التجربة أن مدرسة المقاومة هي التي علّمتها، علّمت هذين الحرفين «اللام والألف» لكل العالم، عندما بقيت وحيدة في ساحة مواجهة الطغيان الأميركي.

تدرّجت المقاومة بقوّتها، تضيف المصادر، بحيث كانت عام ٢٠٠٠ قوة تحرر وطني قادرة على صناعة المعادلات لحماية مواطنيها، وعام ٢٠٠٦ تحوّلت الى قوة إقليمية قادرة على صناعة المعادلات الإقليمية، وفي حرب سوريا تحوّلت الى عامل مؤثر في القرارات الدولية، أما اليوم وبعد فشل كل المحاولات السابقة تغيّرت أساليب مواجهتها، من المواجهة الأمنية المباشرة الى ضرب البنية التحتية الإجتماعية، من خلال الحصار الإقتصادي الذي ترافق مع تهويل هائل على المستوى الإعلامي للضغط على بيئتها، فهذه الحرب الإقتصادية والنفسية والإعلامية حوّلت الناس الى مقاتلين، من هنا تؤكد المصادر أن المناورة التي نفّذها حزب الله جاءت في هذا السياق، بحيث أراد إشراك بيئته حرصاً على تحصينها من جهة، ودعوة الإعلاميين لها بهذا العدد الكبير من أجل أن يصبح الإعلام جزءاً من ميدان المواجهة، لأن المقاومة تملك نقطة القوة الواقعية وينقصها الترويج الإعلامي لحقيقتها، فالعدو يريد أن يصنع صورة المقاومة بروايته، أما المقاومة فتعمل على صناعة صورتها بروايتها، فتصبح المواجهة ما بين الوقائع المؤثرة والدعاية المؤثرة، وبما أن العدو يمتلك القدرة الإعلامية، فمن الطبيعي أن تستثمر المقاومة عنصر التأثير الواقعي الذي يرتكز على الفرد ونقل الصورة الواقعية، لذا لم تُذكَر الصواريخ الذكية ولم نشاهدها في المناورة العسكرية، لأن المقاومة أرادت إظهار عنصر قوّتها الأساس، ألا وهو العقول الذكية التي تُدير الصواريخ الذكية.

واكدت المصادر انه بعد ٢٣ عاماً لم يخفت وهج الإنتصار، وكأنه أُنجز اليوم ويُعاد من جديد كلما حلّت ذكراه، هذه الروحية في إحياء الذكرى مرئية، لعلّها المعجزات ترافق كل ما لديه صلة بالمقاومة، فهذا اليوم كان ثمرة التضحيات الكبرى التي دفعتها المقاومة وبيئتها على اختلاف انتماءاتهم، بعد العجز الرسمي الداخلي عن حمايتهم، كما أن ما تحقق في ٢٥ ايار ٢٠٠٠ هو أول اندحار «إسرائيلي» عن أرض عربية دون معاهدة سلام، عدا عن أن الناس أدركوا بشكل مباشر وشعروا بقيمة التحرير: العودة الى الأرض والبيوت، تحرير الأسرى، الشعور بالأمن والأمان، النمو الإقتصادي في المناطق المحررة، والأهم أن بعد تحرير الجنوب شعروا بأنهم باتوا أقرب الى فلسطين.

ورأت المصادر ان الاحتفال بالمناسبة هذا العام ترافق مع عوامل تُظهر نتائج هذا الإنجاز، بحيث يمكن القول إن إنشغال المقاومة في سوريا تراجع بدرجة كبيرة، كما أن هذا العام شهد عدة معارك بين العدو الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، بحيث كان هناك حضور متزايد لمظلومية الشعب الفلسطيني، وتهديد بيت المقدس، والعمليات المنفردة التي أربكت العدو، بالإضافة الى استلام حكومة «اسرائيلية» متهورة، وهذا ما أوجد بيئة مناسبة لإعادة توجيه البوصلة نحو فلسطين التي هي أساس بحل مشاكل المنطقة، خاصة وأن الكيان هو أهم مُغذي للأزمات.

لذلك أتت المناورة لتقول يجب أن تزول «إسرائيل» من الوجود، وهذا يُعتبر جزءاً من إستراتيجية مواجهة الأزمات الداخلية، وتأكيداً على هذه الفكرة عادت المصادر بالذاكرة الى الوراء عندما نقل الشيخ محمد جواد مغنية عن الإمام الخميني عام ١٩٧٨، عندما زاره لعرض مخاطر الإجتياح الإسرائيلي لبعض قرى جنوب لبنان، وطالبه بإصدار بيانات وصرف أموال شرعية لدعم النازحين، فاجأه الإمام الخميني بجوابه عندما قال له: يجب أن يسقط الشاه، فاستغرب الشيخ مغنية جواب الإمام ، واعتبره للوهلة الأولى إنشغالاً بقضايا إيران عن قضية لبنان، إلا أنه يُذكر أن في شباط عام ١٩٧٩ حين انتصرت الثورة الإسلامية، وعاد وظهر الإمام الخميني في طهران، أدرك ما كان يقصده الإمام أنه لا يمكن حماية المستضعفين إلا بدولة قوية، من هنا يمكننا إسقاط هذه الحادثة على المشاكل التي يعاني منها لبنان والمنطقة، بأن أساس حلّها يبدأ بإزالة «إسرائيل» من الوجود.

إذاً.. وصلت المقاومة للمرحلة الأخيرة بعيد المقاومة والتحرير ٢٣ ، بحيث لم تعد بحاجة لحماية ولا لإثبات شرعية، باتت الحروب المذهبية وراءها ولا يوجد هناك قوة عسكرية تستطيع إلغاءها، لأن سلاحها النوعي الذي تمتلكه هو روحية الفرد، بحيث أن أهم ما يميز هذه المقاومة أنها رفعت قيمة الإنسان عالياً بوقت تُعتبر أهم استراتيجيات العدو القضاء عليه. من هنا يمكن استعادة عبارة الحاج عماد مغنية قائد الانتصاريين والمؤسس للإنتصار النهائي «اللي بتقاتل فينا هيي الروح».. . روح المقاومة التي يصعب هزيمتها...