اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

تعتبر «الصحة النفسية» حالة من الرفاه، وتختلف معانيها في السياقات التقنية مثل الفلسفة وعلم النفس. ولكن جميعها تشير إلى التجربة التي تمنح المرء شعورًا جيدًا، ويُنظر إليها على أنها مكون من مكونات الرخاء، مثل الصحة والفضيلة والمعرفة وإشباع الرغبات. وفي علم النفس الحسن هذا الموضوع يعد الاساس، الذي يسعى الى استنباط العوامل التي تسهم في ابتهاج الانسان.

وفي هذا الإطار، يقترح مؤسس علم النفس الايجابي مارتن سيليغمان ان تتألف هذه الرفاهية من المشاعر الإيجابية، وذلك بالاندماج في نشاطات ينتج منها علاقات صالحة مع اشخاص آخرين، والحصول على معنى لهذه الحياة والاحساس بالإنجاز والإنتاجية عند السعي والمحاولة لتحقيق الأهداف والمآرب الشخصية التي يثبت الفرد من خلالها ذاته.

بالموازاة، عرّفت منظمة الصحة العالمية الصحة النفسية «على انها حالة من التعايش الصحي السليم في جميع الجوانب الجسمية والنفسية والاجتماعية، والخلو من العجز والوهن النفسي والجسدي». كما يمكن تفسيرها «على انها التفاعل السليم للنفس الداخلية مع المحيط الخارجي، وهي الحالة الرائجة والمستمرة نسبيا عند معظم الافراد في اغلب الأحيان. لذا من الطبيعي ان يسود شعور الرضى الداخلي والخارجي ويزيد معدل الإنجاز والجموح، فيكون فردا سويا جميل الخلق».

على خطٍ موازٍ، السعادة النفسية حالة تمكّن المرء من مواجهة مشاكل الحياة، واثبات قدراته، والتعلم والعمل بنحو فعّال، والمساهمة في المجتمع المحلي، كونها جزءا لا يتجزأ من الصحة والمتعة اللذين يحفزان الإمكانات الفردية والجماعية على اتخاذ القرارات المصيرية، وتوطيد العلاقات وتشكيل العالم الذي نقطن فيه.

الصحة النفسية أولوية الاولويات

في سياق متصل، قالت الاختصاصية النفسية غنوة يونس لـ «الديار» انه « في هذا الشهر نعمل على توعية الناس على أهمية الصحة النفسية، ودورها البارز والفعال بالنسبة للفرد والمجتمع، فهي الأساس الذي يبني الاستقرار والتأقلم النفسي السليم مع الذات والبيئة». مشيرة الى ان الصحة النفسية «تُنشئ أشخاصا ثابتين نفسيا ولديهم الطاقة على ضبط الاضطراب، والتحكم بسلوكهم وتوجيهه بشكل سوي يساعدهم على التصدّي للعوائق والمطبات الحياتية، ويكون ذلك عن طريق حلّها بأسلوب هادئ بعيدا عن التوتر والثورة او الغضب، والتحلّي بإيجابية ومرونة مع مختلف المشكلات اليومية والشخصية، التي من شأنها ان تجعل الفرد أكثر إنتاجية للعطاء والنجاح».

وأكدت «ان الأشخاص الذين يفتقدون الصحة النفسية او بالحد الأدنى بعض من مؤهلاتها، تكون تصرفاتهم غير مرحب بها وثقيلة، كونها ناتجة من سلوك جلف، وهؤلاء يحبذون الهروب والانسحاب من ابسط العوائق».

اعراض

واشارت يونس «الى وجود اشارات تدل على تقهقر الصحة النفسية، منها تلك التي يعتبر بروزها علامة لاحتمالية التعرض لمأزق، وتتجسد بالانهيار التدريجي من خلال تراجع الأداء الوظيفي او المدرسي بالنسبة للأطفال، والاحساس بالإرهاق على مدار اليوم. اما بالنسبة للبالغين فيتضح ذلك بمغادرة هؤلاء الحياة الاجتماعية، وتغير المزاج، الى جانب الطابع السلبي الذي يتمثل بالحزن المستمر، وقد يعاني الشخص من صعوبة النوم والارق، وقد يلجأ الى شرب الكحول والمخدرات والعقاقير»، واكدت ان المؤشرات الجسدية لهذه التفاصيل تتجلي باكتساب الفرد الوزن او خسارته بصورة ملاحَظة. وقد يتخيل للبعض رؤية او سماع أصوات غير موجودة، وتكون ناتجة من التوهّم فيعتقدون ان الناس يسخرون منهم وينبذونهم».

لماذا أيار!

ان موضوع الارشاد بالصحة النفسية ظهر في العام 1949 ، واعتبر شهر أيار بأكمله شهر النصح والتوعية بالصحة العقلية في العديد من الدول حول العالم. لذا تعمل الأمم المتحدة على الاكثار من حملات التوعية، التي من خلالها تحث على ضرورة الحفاظ على الصحة النفسية والعقلية.

لبنانياً، لا ينفك الخبراء في هذا المجال من اعتماد جميع الأساليب التوعوية للحديث عن هذا الجانب، خاصة في ظل الازمة الاقتصادية والأوضاع المعيشية والمادية والسياسية وحتى الأمنية.

وبحسب دراسة قامت بها الجامعة اللبنانية كشفت «ان قرابة 17% من اللبنانيين يعانون من اكتئاب شديد منذ انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب، وبيّنت الدراسة ان كل ثلاثة اشخاص من أصل أربعة يسيطر عليهم القلق والاضطراب والاجهاد طوال اليوم».

بالتوازي، نشر الاقتصادي الأميركي ستيف هانكي قائمة مؤشر البؤس لعام 2022، وقد استند في بحثه الى أسباب أساسية منها: البطالة والتضخم ومعدل الإقراض والتغيير في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لقياس مؤشر البؤس.

وفي هذا السياق، احتلت زيمبابوي قائمة أتعس 10 دول في العالم، تلتها فنزويلا ثم سوريا، اما المرتبة الرابعة فكانت من حصة لبنان، وجاءت السودان في المرتبة الخامسة ثم تلتها الارجنتين واليمن فأوكرانيا وكوبا وتركيا.

التنشئة الاسرية اساس

واشارت يونس، «الى ان الصحة النفسية تتأثر بالظروف الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، لان هذه العوامل نابعة من بيئة داخلية أي الاسرة، او خارجية والمقصود بها المجتمع والظروف المحيطة بالراشدين والأطفال، فمثلا: تعمل العائلة على تأسيس بناء شخصية الطفل في الخمس السنوات الأولى، وهي الأساس في تكوين شخصيته وتصرفاته».

وأكدت «ان الاسر التي تعمل على تربية عائلية سليمة وسوية، تخرّج أطفالا اصحاء نفسيا لديهم قدرات خارقة لمواجهة الصعاب والتحديات في الحياة مهما كانت معقّدة. ومثال ذلك الخوف الذي حدث مع فئة كبيرة بعد وقوع زلزال تركيا وسوريا، حيث ان هناك فتاة ما زالت طريحة الفراش حتى اليوم في احدى المستشفيات، ومشكلتها الأساسية بحسب الأطباء المشرفين على حالتها، انها تعاني من رُهاب الخوف وعدم قدرتها على تجاوز ما حصل، فلو كانت مؤهلة منذ الصغر ومدربة على مواجهة الفزع ومواجهة ابسط الازمات، لكانت تخطّت هذه الورطة».

اضافت :»اما البيئة الخارجية ونقصد بها المدرسة، او الحياة العملية فيجب ان يكمل منها ما تم تأسيسه داخل الاسرة، والتي تتجسد بالقيم والمعايير المجتمعية الصائبة، لان المدرسة تعد مكملة لإكساب الطفل مهارات ومواقف».

استكملت: «اما بالنسبة للبالغين فالعقبات والمطبات والمشكلات بوابة لتقوية الشخصية وتحصينها ضد التدحرج نحو الانهيار، وترويضها على المكافحة والمجابهة والمواجهة، وبذلك تكون صحة هؤلاء النفسية جبارة ومحصنة وجاهزة لخوض غمار التحديات الوظيفية او الحياتية وتحقيق الأهداف».

في الخلاصة، «تبرز الصحة النفسية والعقلية السليمة في جميع تفاعلات وتعاملات الفرد سواء كان راشدا او يافعاً او طفلا صغيرا، وتكمن في مدى استجاباته للمثيرات وأسلوب تعاطيه مع الظروف والتحولات الهامة، وحتى السطحية في حياته وبيئته». 

الأكثر قراءة

نهاية الزمن اليهودي في أميركا؟