اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

على مدار التاريخ كان للعلم والتكنولوجيا دور في تقدم البشرية وفي قيام الحضارات المختلفة، وأصبحت الفترة الزمنية بين الاكتشاف العلمي وتطبيقه قصيرة للغاية، ودفعت عملية دخول التكنولوجيا كافة مجالات الحياة المعاصرة ذات الطابع المدني والعسكري الى تنامي عملية التداخل بين العلوم من ناحية والظواهر من ناحية أخرى حيث ترسي عملية تفاعل متبادل بينها.

وأصبحت العلاقات بين العلم والتكنولوجيا والشؤون الدولية يؤثر كل منهما في الآخر، والتي تنتشر بشكل خاص عبر أرجاء العالم المختلفة وهو ما جعل هناك تأثيراًمتبادلاُ بينها وبين الظواهر الدولية.

فقد حرصت الدول الأوروبية الاستعمارية على احضاع وسائل الاتصال وخدماتها تحت سيطرة الدولة في خدمة أمنها القومي وعملياتها العسكرية وتوسعاتها الخارجية، وهو ما عمل على خدمة أهدافها الاستراتيجية في حروبها، فقد ساعدت عملية مد شبكات الاتصال كالبرق والهاتف في تسهيل حركة التعبئة ونقل القوات ودعم علاقات التبعية مع المستعمرات الخارجية من خلال حصر دورها في توريد المواد الخام، وأدى التنافس الاستعماري بين القوى الامبريالية الى تنافس كذلك في مجال شبكات الاتصال الخاصة بها وأن التفوق الاستعماري كان لصالح القوى الأكثر تفوقاً في شباكاتها الاتصالية.

فبعد عام 1945 عملت الدول الكبرى على تجنب حرب عالمية أخرى، وأحد أهم معالم التغير في مجرى العلاقات الدولية وفي دور التكنولوجيا في حركتها هو قيام الولايات المتحدة بأول تجربة لتفجير قنبلة نووية في صحراء نيو مكسيكو بالولايات المتحدة في يوليو 1945 الى أن تم استخدامها بالفعل في نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي ساهمت في نهايتها عبر القاء قنبلتين على هيروشيما ونجازاكي باليابان في 6 أغسطس عام 1945، وهو ما تسبب في اصابة 70 ألفاً ومقتل 70 ألفاً أخرين جراء استخدام سلاح واحد وفي أقل من 10 ثوانٍ من الزمن وهو ما تسبب في ثورة هائلة في الحرب وفي صعود الولايات المتحدة كقوة عظمة.

وأتت تلك المأساة الانسانية الى جانب الكم الهائل من القتلى في الحربين العالميتين الى نمو الاتجاه المثالي في العلاقات الدولية وبرزت المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة الى جانب الجهود الدولية في تبني الاعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948 وحدوث نقلة في القانون الدولي الانساني.

وأدى التطور التكنولوجيا النووية الى تطور في حجم القنابل النووية وفي قلة تكلفة انتاجها وانتشار المعرفة العلمية وعلاقتها بالتنمية وليس بالضرورة تصنيع الأسلحة النووية حيث سعى العديد من الدول لمواجهة أزمة الطاقة بانشاء المفاعلات النووية، ولم يحد ذلك من تزايد عدد الدول المالكة للسلاح النووي الى جانب تطور مماثل في الصواريخ العابرة للقارات وفي الغواصات النووية وفي سباق التسلح الفضائي.

وكان هناك دور للتكنولوجيا في نمو حركة الاكتشافات البترولية وفي نمو أسواق الطاقة العالمية ونمو الصراع على السيطرة على منابع النفط، والتأثير على قوة الدول الكبرى ومناطق الصراع حول العالم، وأعطى أهمية استراتيجية للمناطق الغنية بالطاقة بما كان له دور كبير في تغيير طبيعة العلاقات الدولية.

وعلى الرغم من سرعة الابتكارات التكنولوجية خلال العصور الوسطى والعصر الصناعي الا أن التغييرات الثقافية التي كانت نتاج التنوير الثقافي الذي حدث في القرن الثامن عشر قد عززت التطور والتبني للابتكارات التكنولوجية ابان الثورة الصناعية وهو ما لم يوجد في العصور الوسطى.

ويحمل البعد التكنولوجي طابعاً بنيوياً لحركة التفاعلات مثل تأثير حركة الابتكار والاختراع، فمثلاً عندما تم اكتشاف البخار كان له دور في حركة الكشوف الجغرافية، أو بتأثير التقدم الصناعي بوفرة الانتاج وحدوث متزايد على المواد الخام بما دفع القوى الصناعية الى البحث عن أسواق خارجية وتأمين استيراد المواد الخام، وهو ما شكل الدوافع لقيام فرنسا وبريطانيا باستعمار نصف الكرة الأرضية.

وعلى الرغم من ان أوروبا كانت مهداً للعديد من الابتكارات الا انها قد جف اسهامها بعد هجرة العلماء الألمان الى الولايات المتحدة، والتي كانت قادرة على استيعاب العلماء من كافة دول العالم لصناعة نهضتها العلمية والتكنولوجية وكان لديها قدرة على استيعاب الأفكار الجديدة كما كان الحال في بريطانيا.

وانتقلت الريادة التكنولوجية من بريطانيا الى أوروبا ثم الولايات المتحدة. وأصبحت القوة العسكرية ترتبط بشكل كبير بالتغيير التكنولوجي. وأصبح كل منهما يؤثر في الأخر فقد تحولت عملية استخدام التكنولوجيا في المجال العسكري الى المجال المدني ومن ناحية أخرى فان الانفاق العسكري على تطوير القدرات التكنولوجية العسكرية يمكن أن يؤثر في الانفاق على الابداع والابتكار والتطوير وهو ما كان ظاهراً في حالة الاتحاد السوفيتي وانفاقه العسكري الكبير.

ولعب في ذلك حجم القدرات البشرية والمهارات في الدول الكبيرة السكان ذات المهارات الكبيرة أو عبر خذب المهندسين والعلماء من الخارج لدفع النهضة العلمية بها. وعلى الرغم من معاناة اليابان من ندرة في المواد كان لديها عمالة بشرية ماهرة وهو ما مكنها من التقدم التكنولوجي مقارنة بالولايات المتحدة. وبالرغم من أن الصين قد بدأت مرحلة التصنيع في القرن الرابع عشر الا انها عانت من ضآلة الابتكارت العلمية وهو ما دفعها الى استخدام الهندسة العكسية لنقل الاختراعات الأوروبية.

وغني عن القول أن هذه التغيرات الناتجة من تطور العلم والتطنولوجيا هي ملامح أو وجوه جديدة للقوة، والتي ستقدم لنا في عالم الغد ملامح جديدة أخرى. وقد لعبت الانجازات والاكتشافات العلمية دوراً هاماً في التطور التكنولوجي والمعرفة، وانعكاس ذلك على سعة وسرعة الانتاج الصناعي في أماكن متعددة ودورهما المهم في افراز دور الشركات متعددة الجنسيات ودورها في عمليات الانتاج في السوق العالمي.

ويتم تعزيز ذلك التغير عبر رصد مؤشرات كيفية حدثت في المجتمع الكوني لعل أهمها، انهيار الايديوليوجية والاستقطاب الحاد بين الشيوعية والرأسمالية وبروز أفكار أخرى تحاول أن تملأ ذلك الفراغ الفكري العالمي وبزوغ سوق كونية اقتصادية، وزيادة تعقيد البعد العسكري، وتصاعد المد الديمقراطي الرأسمالي، والتعددية الثقافية في مواجهة القولبة الثقافية والهيمنة والعكس، والدور المتصاعد للطبقة الوسطى عالمياً، والتحركات الكبرى للسكان عبر العالم من الدول الأفقر الى الأغنى وهو ما يساهم في تصاعد موجات العنف، وكونية العلم والتكنولوجيا كمحرك رئيسي للمجتمع العالمي، وزيادة الأنشطة غير المشروعة عبر الدول.

ومن ثم طرحت تلك التغييرات اعادة طرح أفكار حول التاريخ والزمن والجغرافيا وكانت مدرسة ما بعد الحداثة تعتمد هذه المفاهيم من أجل الغاء الفصل بين السياسات المحلية والخارجية وبخاصة أن مسار العلاقات الدولية بعد نهاية الحرب الباردة شهد عدة تحولات استراتيجية دولية مست جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاعلامية مرتبطة بالأساس بتطور الرأسمالية العالمية. فاقتصاد السوق وتشجيع الخصخصة والتطور التقني والتكنولوجي والليبرالية الاقتصادية وعلاقتها الوطيدة بالليبرالية السياسية والثقافية.

كل هذا أسهم وهيأ الظروف لظهور ما يسمى بالعولمة والتي أصبحت تستعمل كتعبير عن المرحلة العليا من التطور الذي بغه الاقتصاد الرأسمالي العالمي، ونشأت العولمة نتيجة التطور التكنولوجي وثورة الاتصالات والمعلومات والثورة الصناعية والتجارية، وأصبحى العولمة نتاجاً تاريخياً طبيعياً آلياً ومحتوماً للتقدم التكنولوجي الابداعي الذي واكب حياة البشرية قديماً وحديثاً.

الأكثر قراءة

اكثر من حجمه