اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

آراء وأفكار لا تحصى. كثيراً ما تكون متباعدة وحتى متناقضة، في القراءة البانورامية لتداعيات الحرب. لعل أكثر غرابة من يتوقع أن تتداعى بلدان المشرق العربي (وقد ازدادت تشتتاً)، ومنها كل من تركيا وايران، لتشكيل منظومة اقليمية ببنية استراتيجية تمكّنها من الدخول الى العالم التكنولوجي، بعلاقات متوازية مع القوى العظمى.

تصور ليس فقط بعيداً عن الواقع وعن المنطق. بعيد عن الخيال أيضاً ما دامت القبلية، ناهيك عن الترسبات التاريخية والايديولوجية، تستوطن عظام سائر مجتمعات المنطقة التي ستبقى هكذا، ربما الى يوم القيامة، اذا كانت فكرة القيامة لا تزال واردة عند الله. الياباني ياسوناري كاواباتا، الحائز نوبل في الآداب، لاحظ أن "العالم الآخر انتقل الى هنا، لكنني عبثاً أبحث عن الملائكة وسط هذه الأدغال"...  

من الآراء أيضاً، أن الأنظمة العربية التي تستشعر ما يمكن أن تفعله بها الهزات الارتدادية للزلزال، ستكون أكثر ارتهاناً للولايات المتحدة كضرورة للبقاء. الأميركيون يعتقدون أن هذه الأنظمة إما أنها شاخت أو أنها استهلكت، للتحول الى عبء ثقيل عليها، ما يستدعي التغيير ولو بالخرائط، وقد بدا جليّاً أن هناك دولاً لا تنتظر أكثر من حركة من الاصبع لتتناثر.

واشنطن احترفت هذا النوع المبرمج من التغيير. الآن قد يزداد جموحها في هذا الاتجاه، للحيلولة دون القوى الأخرى، واختراق البلدان التي بمثابة "مستوطنات أميركية"، دون الأخذ بالاعتبار ما وصفها عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو بـ"جدلية الوعي"، اذ لا بد للمجتمعات مهما تم التنكيل بها ثقافياً أو سياسياً، أن تعي بحالها وتحاول الخروج من المراوحة كوجه من وجوه التقهقر...

آراء أوروبية تتوقف عند "معاناة المشرق العربي من النقص الدراماتيكي في الأفكار". سياسات الاستيعاب ولو بالعصا الكهربائية (ولقد خبرتها شخصياً)، أدت الى تدمير أو هروب أي فكر تغييري. ولكن ألم يلاحظ المستشرق جاك بيرك أن بعض المفكرين العرب يستنسخون ميكانيكياً الأفكار الغربية، ما يكرّس التبعية العمياء للغرب؟

لا أفكار البتة حول كيفية شق الطريق الى القرن (أو حول كيفية البقاء هناك). قادة بـ"ثقافة اللحظة"  دون أي رؤية بعيدة المدى لاعادة هيكلة الشخصية السوسيولوجية للمجتمعات، لتبقى أقرب هكذا في التيه .

نقرأ ايضاً أن الولايات المتحدة ستكون أمام "مأزق سريالي". كيف تتعامل مع "اسرائيل" بعدما ظهرت نقاط ضعفها في الميدان. لم تعد دولة الأسوار العالية، ولا دولة القامات العالية. التدمير يعكس السقوط العسكري والسقود العسكري. " الحرب ليست لصناعة المقابر، وانما لاعادة صناعة التاريخ، كما قال الماريشال مونتغمري.

البعد الفلسفي تهاوى أمام "من حملوا جثثهم على ظهورهم". "اسرائيل" اعتادت على الحروب الصاعقة ضد جيوش معلبة، كامتداد للمجتمعات المعلبة. الأرض تغيرت كثيراً. كان المفروض أن تقضي حكومة بنيامين نتنياهو على الفصائل الفلسطينية خلال 15 يوماً. هذا كان تقدير هيئة الأركان، استناداً ألى"التقارير المحكمة" لأجهزة الاستخبارات التي بدورها  خسرت صدقيتها. الحرب السهلة فاجأت الجنرالات ـ كنسخة عن الآلهة ـ بصعوباتها وبتعقيداتها  وبالروح القتالية لدى العدو.

"الذراع الأميركية وقد قطعت". هذا ما ظهر في بعض الآراء، بقراءة منهجية للمشهد. لم يعد المأزق الأميركي أمام "اسرائيل" فقط. المأزق الأميركي أمام الشرق الأوسط. كاتب صيني رأى أنه كان على الأميركيين أن يخرجوا من المنطقة تزامناً مع خروجهم من أفغانستان.

في نظره، لا مكان للأميركيين هنا في المستقبل. استنفدوا كل امكاناتهم وكل سياساتهم. ما حدث في غزة ضربة لهم أيضاً. بارسالهم تلك الكميات الهائلة من القنابل لقتل عشرات آلاف الفلسطينيين ارتكبوا الخطيئة القاتلة. أي هذيان ديبلوماسي بعد الآن؟

من يغادر الشرق الأوسط أولاً الأميركيون أم "الاسرائيليون"؟

سؤال بين اسئلة كثيرة غصت بها الصحف العالمية، لا سيما الغربية. أصحاب الأسئلة ليسوا ضد أميركا ولا ضد "اسرائيل".

لا تتفاءلوا كثيراً حين نكون ذلك "الشيء" الذي يدعى العرب. هؤلاء الذين ينتظرون أن تنتهي غزة تحت الأنقاض، لا يدرون أن "اسرائيل" ايضاً... تحت الأنقاض!!


الأكثر قراءة

الضفة الغربيّة... إن انفجرت