اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

عندما التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القوى اللبنانية في قصر الصنوبر، خلال زيارته الثانية الى لبنان في الأول من أيلول عام ٢٠٢٠، بعد تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب، كان لافتاً تعاطيه الواقعي والإيجابي جداً مع حزب الله، والذي تعارض مع السياسة الأميركية تجاهه وموقف دول أوروبية منه، كبريطانيا وألمانيا بتصنيفهما له كمنظمة إرهابية، يومذاك قام الرئيس الفرنسي بدور المدافِع عن حزب الله، هكذا بدا من النقاشات التي حصلت بينه وبين القوى المناهضة له، خاصة عندما تَوجَّه بالسؤال للنائب سامي الجميّل الذي أصرّ على إجراء انتخابات مبكرة: "لماذا تصرّ على ذلك؟ كم عدد المقاعد الذي سيتغيّر؟ وهل أنا مَن انتخب حزب الله"؟ ثم توجّه ماكرون إلى النائب محمد رعد ممازحاً: "أنا أدافع عنكم فيما أنتم صامتون".

هذه الطريقة بالتعامل مع حزب الله كانت لافتة، لدرجة أنها كانت الحدث الأبرز واللافت في الزيارة، مع العلم أن خلفيتها كانت البحث عن دور فرنسي في المنطقة من بوابة لبنان، وأن تحقيق هذا الهدف يتم بالتعاطي بواقعية مع الساحة اللبنانية بكل مكوناتها وتوازناتها، ومن هذا المنطلق كان التعاطي بإيجابية مع أكبر حزب في لبنان...

صحيح أن ماكرون عاد وشمل حزب الله باتهامه للقوى السياسية في لبنان بخيانة التعهدات أمام بلاده والمجتمع الدولي، وردّ عليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، رافضاً كلامه بأسلوبه ومضمونه، ودعاه لإعادة النظر بالطريقة وبالعمل وأيضاً بلغة التخاطب، إلا أن التعامل الإيجابي بينهما استمر فيما بعد، وظهر واضحاً في المبادرة الفرنسية المتعلّقة بالملف الرئاسي. وبقيت باريس على واقعيتها تَستجدي دوراً من خلال علاقتها مع الحزب، حتى بداية العدوان الصهيوني على غزة.

تطرَّف ماكرون بموقفه الى جانب "إسرائيل"، وامتد حماسه بتوصيف حماس بالإرهاب الى حزب الله ، ضارباً بعرض الحائط كل الجهود التي بذلها من ثلاثة أعوام الى ما قبل ملحمة طوفان الأقصى، مهدِّداً بنفسه "الدور"  الذي سعى إليه بالتصادم مع مفتاح الساحة اللبنانية، ولم يكتفِ الرئيس الفرنسي بذلك، فقد وصلت مغالاته بالوقوف الى جانب الصهيونية بانتهاك مبدأ العلمانية وخرق القيم الفرنسية، باحتفاله بعيد الأنوار اليهودي في الإليزيه.

بعدها حاول ماكرون إيجاد نوع من التوازن بتصريحاته بمطالبته بوقف إطلاق النار في غزة والحديث عن العمليات الإنسانية، إلا أنه فشل في ذلك، وظهر وكأنه يحاول مساعدة "إسرائيل" على تجميل صورتها أمام العالم، حيث قرر على ما يبدو استمرار البحث عن دور في مكان آخر مناقض للسابق تماماً، فزايَد على الأميركي بموقفه تارة، ووقف تحت مظلة موقفه تارة أخرى، فبات بدل أن يبحث عن دور، يرضى بفتات دور في السياسة العالمية.

بهذه السياسات لم تعد فرنسا تلك الدولة صاحبة الهيبة والنفوذ، سقطت هيبتها بفعل سياساتها، لم تعد مؤثِّرة سياسياً، ولولا وجودها في مجلس الأمن وامتلاكها لحق النقض "الفيتو"، لأصبحت دولة هامشية، سياسات تعكس تخبّطها وعدم حرفيّتها، وأكثر من ذلك باتت أشبه بسياسات دول العالم الثالث...

واستكمالاً لهذه السياسات، وفي سياق إستعراض القوّة أمام الأميركي و "الإسرائيلي"، اتهم ماكرون حزب الله بالإرهاب، تصريح لرئيس دولة سارعت سفارتها للتواصل مع حزب الله لتَدارك الخطأ الفادح الذي ارتكبه، والذي بات بسياساته التي يتّبعها يُلحِق الخسائر بمصالح بلاده، فمن هنا جاء السؤال بعد هذا الموقف، كيف سيتعامل الفرنسي مع الحزب؟ وبأي اتجاه يريد أن يسير بهذا الإطار؟

حاول الفرنسي تقديم توضيحات لحزب الله، وحرص على امتصاص غضبه من تصريحات غير مقبولة لرئيس الدولة، لكن هل هذا كافٍ لترميم العلاقة؟ أم أن ما جرى يطرح علامات استفهام كبيرة حول مستقبل العلاقة بينهما؟

من الواضح أنه لو استُكمل التواصل بينهما لن يعود كما كان مِن قبل، خاصة بعد أن هدّم ماكرون كل ما تم بناؤه على مدى أعوام ثلاثة، فالعودة لا تحتاج فقط الى تكويعة، وإنما الى فترة تثبيت أيضاً بعد "نقزة" حزب الله منه، فالاستدراك الذي حصل مِن قِبل السفارة هو لمنع قطع العلاقة، إلا أن ترميم العلاقة يحتاج الى خطوات أكثر بعد الخلل الذي حصل، خاصة وأنه قبل تصريح ماكرون كان حزب الله مِن الأساس يَستغرب الموقف الفرنسي بعد عملية طوفان الأقصى، ويسأل نفسه عن أن الذهاب للحد الأقصى بالموقف هو لدولة تبحث عن دور في المنطقة أم تُريد الخروج منها؟؟!!

 


الأكثر قراءة

إنهم يقتلون أميركا...