اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

جردة حساب

على المفرق الفاصل، وداعاً واستقبالاً بين عامين، تختفي من على شاشة الذاكرة وجوهٌ وصورٌ وحكايات، لِتطلّ من بعدُ على ايقاع المستجدّ من الأحداث، وجوهٌ وذكرياتٌ مقيمةٌ في أعماق الذاكرة البعيدة.

اليوم، وبفعل ما تشهده فلسطين من ماَسٍ، وبمقابل صورةٍ تناقلتها منذ أيّام وسائل الاعلام، عن لقاءٍ محزنٍ ومُخزٍ في اَن، ترى نفسكَ تستدعي من ماضٍ غير بعيد، صورةً أخرى تعينكَ على احتمال مشهدِ صورةٍ منذ أيّام. مطارنةٌ، ومن بينهم الماروني موسى الحاج، يجتمعون وغزّة على صليب اَلامها ولبنان، مع رئيس كيان دولة العدوان الذي لا ينتهي. مقابل ذلك، يُطلّ عليك بهيّاً كقدّيس المطران جورج خضر صادحاً بالحق: "لا يمكن أن أصافح من ينتمي الى دولةٍ حُبِلَ بها بالخطيئة ووُلِدَت بالاثم". وتناديه فيُلبّي النداء فيحضر بمهابةٍ قدسيّة على شاشة الذاكرة عينها الأب الراحل، الباقي بما ابقى، يواكيم مبارك. فمن تراه يكون هذا المبارك الطارق بابَ الذاكرة، هذا العائد على صهوة شوقنا الى النور بعد ما يقارب الثلاثة عقودٍ على انتقاله بالموت الى المقلب الاَخر؟

يواكيم مبارك، تقدّس مع ذكره ثراه، كاهنٌ مارونيٌ كفرصغابيّ (كفرصغاب بلدة في زغرتا عميقة التجذّر بأصالتها وبمارونيّتها). وهو، الى كونه كاهناً ملكيصادقيّاً بامتياز، أكاديميّ من أوائل الصف الاول في اللاهوت والتاريخ والاسلاميّات، اوصله سيره في النور الى ان يكون محاوراً مثالياً، ومدافعاً شرساً في الدفاع عن قضايا الحقّ ومجابهة الباطل.

في العاشر من كانون الثاني 1973، اغتال "الموساد" مندوبَ منظّمة تحرير فلسطين في باريس المناضلَ محمود الهمشري. وكانت صداقةٌ وطيدةٌ تجمع بين المجاهدَين. اثرَ جريمة الاغتيال لفتَ الاعلامَ الفرنسيَّ ما قام به تعبيراً حضاريّاً راقياً عن حزنٍ عميق، الكاهنُ المارونيّ الاكاديمي الذائع الشهرة لتقواه ولاتّساع علمه في العاصمة باريس.

فكان الاستغراب سؤالاً للكاهن غير العادي عن سبب حزنه غير العادي على الهمشري المغدور. وكان الجواب درساً، ليته تسنّى للمطران موسى الحاج ان يطّلع عليه. جواب مبارك يومذاك، وفي كلّ يوم أنّ "معيار مسيحيّة المسيحي في هذا الزمن، هو بمدى ولائه لعدالة قضيّة فلسطين".

المطران جورج خضر، لك منّا اعلاءً لكلمة الحق، كل الدعاء بالصحّة وطول العمر. يواكيم مبارك، باقٍ ضوءًا في الذاكرة لا ينطفىء. ابحث في غيابك عن امثالك فأحزن، أبحث عمّن يصدح صوته بكلمة حقٍّ في المعابد، فأكاد لا أسمع الّا صدى أصواتٍ ناطقةٍ باسم الرماد.

الأكثر قراءة

«اسرائيل» تواصل التهويل: انسحاب حزب الله او الحرب الشاملة تعديلات بالشكل لا بمضمون «الورقة الفرنسية» لا بروفيه وامتحان موحد لـ«الثانوية»