اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


من بداية دخول جنوب لبنان في الحرب كجبهة مسانِدة لغزة بعد العدوان الصهيوني على القطاع، بدأ الحديث عن الجدوى منها بعدة خلفيات، وإن كان يَطغى عليها خلفية بنيّة التقليل من أهمية ما تقوم به المقاومة في الجنوب، إن لناحية نوعية عملياتها أو لناحية ما تُقدِّمه من تضحيات، والأهم مدى تأثير هذه الجبهة على الحرب المجنونة التي تشنّها "إسرائيل" ومعها أميركا على الشعب الفلسطيني.

أطل أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله حتى اللحظة خمس مرات في هذه الحرب، وفي كل مرة كان يَشرح عن الهدف مِن فتح جبهة الجنوب والتطورات التي لحقت بها، وفقاً لوضع الميدان لناحية ما يتحقّق منها مِن إنجازات للبنان ومن إخفاقات للعدو الإسرائيلي، مقارنة شملت مختلف المجالات العسكرية والإقتصادية، وصولاً الى حال منطقة الشمال المهجورة التي تحوّلت لمدينة أشباح، ومستوطنوها النازحون الذين يرتعبون من العودة الى هناك، وهذا ما يزيد من أزمة الكيان التي استحدثتها هذه المعركة.

من تهمة توريط لبنان بحرب مُدمِّرة على شكل ما يقوم به "الإسرائيلي" في غزة، استطاع السيد نصرالله مُجدَّداً تحويل التهديد الى فرصة، فانتقل منها لطرح فكرة مناقِضة تماماً تتمحور حول أن لبنان أمام فرصة تحريره بالكامل كنتيجة لفتح جبهة الجنوب في هذه المعركة، بحيث يمكن استنتاج أو إحصاء ما حققه لبنان حتى الآن، أي قبل انتهاء الحرب وحسم نتيجتها:

١ - استطاع حزب الله من خلال قرار فتح جبهة الجنوب درء المخاطر عن لبنان، إن لناحية قطع الطريق على ضربة إسرائيلية إستباقية أو لناحية تداعيات العدوان على غزة، عدا عن أن إثارة ملف الحدود مع لبنان كانت ستتم، سواء شاركت المقاومة أم لم تشارك، مع فارق قوة موقف المقاومة بالمشاركة.

٢-  استطاعت المقاومة من خلال المشارَكة في الحرب الضغط على "إسرائيل" ، وبذلك تكون حجزت مكاناً فاعلاً لها في الأحداث من موقع المشارِك القوي وليس المُتفرِّج والمُتلقّي، أي تكون جزءًا من ترتيب أمور المنطقة ومرتكزاً أساسياً فيها.

٣-  استطاعت المقاومة فرض حضور جبهتها في المعركة من خلال إبراز قوّتها وقدرتها على المواجهة والإنتصار ،وثبت تأثيرها بعد أن انهالت عليها العروض من قِبل الأميركي من أجل إقفال الجبهة في الجنوب.

حالة القلق "الإسرائيلي" من حزب الله دفعت بالأميركي الى وضع كل الطروحات على الطاولة، والتي كان من غير الممكن أن تُطرَح بظروف مختلفة، طرحٌ فرضته جبهة جنوب لبنان وما أحدثته من توتّرات داخل القيادة الصهيونية، فحمل الأميركي معه فكرة سحب الذرائع وفتيل التوتر من وجهة نظره بتسكير ملف الحدود، بمعنى فتح ملف النقاط الحدودية المتنازَع عليها لحلّها ومزارع شبعا، أحياناً بالإنسحاب منها وأحياناً أخرى بإيجاد صيغة مختلفة كنشر قوات دولية، مع إلحاح صهيوني للحل بدل من المماطلة التي كان يعتمدها في زمن سكون الجبهات.

من هنا، يمكن فهم ما قاله السيد نصرالله عن الفرصة التي أتاحتها جبهة الجنوب لتحرير كل الأرض اللبنانية من الإحتلال الصهيوني، مع المحافظة على عناصر قوّة المقاومة التي تُشكِّل عامل ردع. هذه المكاسب التي حصل عليها لبنان حتى قبل أن تنتهي الحرب وتُحسَم نتائجها، تُعتبر من التداعيات الإيجابية للمشاركة في المعركة، فهذا السيناريو واقعي لا يمكن استبداله بآخَر نقيض له، لأنه ليس بهدف مساندة غزة فقط، وإنما هجوم من أجل الدفاع عن لبنان ووجوده وقوّته وحضوره، وأهم الدلالات التي ظهرت جراء اتخاذ هكذا قرار هو أن مقابل كل الضغط الخارجي وعلى رأسه الأميركي أنه لم يَلقَ جواباً من المقاومة، حيث أن كل ما قاله أمين عام حزب الله هو: أوقفوا العدوان على غزة "وبعدين لكل حادث حديث"، عبارة مفتاحية غامضة باتت وكأنها شيفرة لمحور المقاومة تَحمل في مضامينها إعلان خسارة "إسرائيل" رسمياً، الإعلان الذي لا كلام بعده..


الأكثر قراءة

بطة عرجاء لتسوية عرجاء