اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

شاء القدر ان يكون الشرق هو مهد الموارنة، إذ كلنا يدرك أهمية هذا الشرق ودوره في العالم بالرغم من الاضطرابات التي يعانيها.

تعتبر الطائفة المارونية كفرع من الكنيسة الكاثوليكية الجامعة، جماعة مسيحية مؤمنة جدا بتعاليم هذه الكنيسة ولكن بنكهة مختلفة. تأسست هذه الجماعة في "قورش" شمال سوريا خلال القرن الرابع على اسم راهب مسيحي قديس اسمه "مارون" اي "سيد السادة" او "السيد الأكبر" في اللغة السريانية كما وتستخدم هذه العبارات كإحدى القاب الله.

خلال العصور تطور الموارنة وانتشروا في لبنان وسوريا والعراق وقبرص حتى وطأت أقدامهم اقاصي الأرض كلها، إذ لا يكاد بلد في العالم يخلو من موارنة يعيشون ويعملون فيه، بل واكثر يتفاعلون مع شعب هذا البلد وينشرون تقاليدهم ويمارسون شعائرهم الدينية على طريقتهم التي تبدو احيانا غريبة لكنها تحمل بطياتها الحب والايمان والخدمة والانفتاح.

من الملفت للنظر، أن الموارنة حافظوا على هويتهم الدينية والثقافية الخاصة بهم بالرغم من انتشارهم الكبير وانفتاحهم على كافة الحضارات المشرقية والمغربية. حضورهم كان وما زال قويا إذ لم يذوبوا في اي جماعة اخرى بل وقد اندمجوا في السياق الثقافي للمنطقة التي يعيشون فيها.

للموارنة صولات وجولات عبر التاريخ ففي القرون الوسطى، تأثر الموارنة بالصراعات الكنسية والسياسية في العالم وخاصة التي جرت بين الدولة العثماتية والعرب وبين المماليك والصليبيين. ففي عهد المماليك تعرض الموارنة لحملات عديدة أجبرتهم على التحصن في مغاور وقلاع بلاد بشري ووديانها المعروفة اليوم بالوادي المقدس لما حمل في مغاوره وكهوفه من شهداء وقديسين. أما في الحقبة العثماتية والتي طالت لقرون، عانى الموارنة كما كافة اللبنانيين لحكم ظالم وخبيث. إذ بدأت المعاناة بنفي الأمير فخرالدين وقتله بالسم، مرورا بالتحريض والتفرقة وزرع الفتنة التي مارسها العثمانيون بين المسيحيين والدروز والتي انتجت مجازر في عامي ١٨٤٠ و١٨٦٠وصولا الى الحصار الذي فرضته السلطنة العثمانية عل جبل لبنان إبان الحرب العالمية الأولى والذي انتج مجاعة قضى فيها ثلث اللبنانيين.

كيلا ننسى انه مع تطور الأحداث السياسية والصناعية والثقافية في القرن العشرين، شهد الموارنة تغيرات كبيرة كانوا فيها في الطليعة فمشاركاتهم في هذه الميادين كانت فعالة وذات نكهة مختلفة وفي الأخص في مجالي السياسي والاجتماع. من أهم هذه المشاركات هو المشهد السياسي الذي بدأ فعليا مع تأسيس دولة لبنان الكبير ومن ثم استقلال لبنان في العام ١٩٤٣ والذي نتج منه ما يسمى بالمارونية السياسية. هذه المارونية السياسية تعرضت وتتعرض كل يوم الى الاتهامات والافتراءات والتشويه ولكن في الحقيقة هذه المارونية السياسية هي التي اوصلت لبنان بين عامي ١٩٤٣ و ١٩٦٩ الى ذروته من حيث الإنماء والازدهار والسياحة والثقافة والتعليم بل وأكثر كان اقتصاد لبنان من أقوى اربعة اقتصادات في المنطقة وكانت العملة الوطنية "الليرة المعترة" من العملات القوية في سوق القطع آنذاك.

المارونية السياسية ليست بتهمة كما يسوقها العديد ولكن المتضررين منها وهم كثر أرادوها هكذا وسوقوا على انها خربت لبنان وذلك لضرب هذه التجربة النموذجية الفريدة في المنطقة المنبثقة من رحم المعاناة ومن التجارب المريرة عبر العصور السابقة والعابقة ببخور قديسي هذه الطائفة. هذه التجربة الحديثة كان روادها، عبر العصور، موارنة من الطراز الرفيع كالمعلم بطرس البستاني والبطريرك الياس الحويك والرئيسين كميل شمعون وفؤاد شهاب وكثيرين كثر.

كل هذه التجارب والمواجهات عبر التاريخ جعلت من هذه الفئة من الناس نموذجا حيا لجماعة متماسكة متمسكة بعقائدها وهويتها المسيحية الحية وتراثها الثقافي الغني بالتقوى والقوة والعناد والتجذر والأصالة.

بشكل عام ان تاريخ الموارنة في هذا الشرق المضطرب هو تجربة حلوها مر وجمالها بصعوبتها وقوتها بالتحديات التي واجهوها. هي قصة معقدة ومتنوعة إذ تجمع بين العناصر الدينية والثقافية والسياسية والفرادة في الرؤية للوطن ودوره في هذه المنطقة. برأي هذه التجربة يمكن أن تجعل من المارونية السياسية لبنانية سياسية بامتياز بنكهة فريدة عمادها التجذر بالأرض والانفتاح على العالم.

اختم لأقول

يا أبناء مارون حافظوا على هذا الإرث ولا تعبثوا بمستقبلكم ومستقبل هذا البلد. دوركم تراكمي وتصاعدي، احملوا راية مارون في كل مفاصل حياتكم، في بيوتكم، في اعمالكم، في مجتمعكم وفي وطنكم ليس لأنكم مسيحيون مشرقيون بل لأن مسيحيتكم اصيلة وبنكهة مارون.

الأكثر قراءة

حزب الله يُحذر من الخروقات «الإسرائيليّة»: للصبر حدود الجولاني مُستقبلا جنبلاط: سنكون سنداً للبنان