اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


ثمة أهمية لأن تتضمن المقترحات الاصلاحية المقدمة  في مجالات الاقتصاد الوطني المنتج و تطوير البنية التحتية السياحية والتربوية وتحسين بيئة الاستثمار والنشاط الاقتصادي والانتقال الى اقتصاد المعرفة وتكنولوجيا المعلوماتية، الإشارة الواضحة الى الإصرار على تأمين استمرار دولة الرعاية الاجتماعية أو التنمية الاجتماعية التي تحتاج الى استمرار الانفاق الحكومي في مجالات الضمان الاجتماعي والصحي وفي مجال التعليم .

.. لنلاحظ أنه حتى مشروع خطة التعافي الاقتصادي المقترحة من قبل صندوق النقد تتضمن الإستمرار في الانفاق الاجتماعي والصحي، إضافة الى ترشيد وترشيق  القطاع العام لزيادة فعاليته وانتاجيته. أثمن المقترحات التي تنص على ترميم الطبقة المتوسطة كمدخل ضروري لاعادة  اطلاق العجلة الاقتصادية، وكخطوة هامة تتلاقى  مع جذب الاستثمارات المحلية والخارجية الى قطاعات الاقتصاد المحلي.

 وكل ما تقدّم  لا يلغي ضرورة التشدد  على وجود مقاربة او رؤية اقتصادية متناسقة ومنسجمة تبدأ من اعتماد سياسة مالية وضرائبية متحركة تؤمن العدالة في توزيع الثروة، وتوفر مداخيل التقديمات الاجتماعية والصحية والتربوية والخدمات العامة (أسس العدالة الاجتماعية)، وإعتماد دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المدينة والريف، والتركيز على إحتضان الإنتاج الوطني في الصناعة والزراعة والسياحة والتكنولوجيا، ولا سيما الانتاج التصديري والقادر على المنافسة في الأسواق الخارجية بفعل القيمة التفاضلية له، الخ..  ولا تنتهي - هذه الرؤية/المقاربة – بحتمية تفاعل و تكامل الاقتصاد اللبناني الخارجي مع الاقتصاد الداخلي، علماً أن الاقتصاد اللبناني الاغترابي لطالما شكّل شبكة الأمان للاقتصاد الداخلي و للاجتماع اللبناني المقيم في هذا الكيان . أضف ان الاصلاح السياسي بحاجة الى فلسفة سياسية ونظرة جيوبوليتيكية.

.. في كتاباته الأخيرة نصح هنري كيسينجر النخب الاميركية في الادارة، الاهتمام بتجديد الفكر السياسي والتفكير بالجيوبوليتيك . وفي هذا الاطار من الفهم الجيوسياسي ودينامية الصراع الاقليمي منذ قيام دولة الكيان الاسرائيلي على حدود لبنان – وهو الكيان الذي كتب عنه ميشال شيحا في اربيعينات القرن الماضي، ووصفه  بأنه يشكل تحدياً مباشراً للكيان السياسي اللبناني الذي أسسه المسيحيون، وللاقتصاد اللبناني المرتكز الى نشاط مرفأ بيروت، والى التداخل بين نشاط المرفأ والرأسمالية التجارية والمصرفية المسيحية في العاصمة – لا بد لنا ان نتجاهل دعوات الحياد والانفصال عن الواقع الوطني والعربي والاقليمي ودعوات التخلي عن القضايا العربية، ولا سيما القضية الفلسطينية المركزية وقضية القدس التي تعني المسيحيين والمسلمين معاً.. 

لطالما لعبت  النخب المسيحية منذ أكثر من قرن بقيادة حركة النهضة العربية وحركة التنوير الفكري والثقافي في المنطقة وحركة الحقوق القومية العربية المناهضة للتتريك والعثمنة ( اي  هذه النخب المسيحية في بلاد الشام والإسكندرية - سواحل الحوض المتوسط)  دوراً قيادياً وريادياً في حياة الشعوب والأوطان العربية، حينما تصدت للقضايا الرئيسية في وطن المشرق ( مواقف الزعيم المسيحي فارس بيك الخوري رئيس البرلمان السوري و رئيس حكومة الاستقلال  السورية المولود في حاصبيا في لبنان ).

 وبالتالي حينما تخلت هذه النخب عن دورها المتميز في معالجة قضايا شعوب المنطقة، انحدر موقعها في الأنظمة السياسية الوطنية، وفقدت الحكم والسلطة، وراحت بعض النخب المسيحية، بين الفينة و الأخرى، كردة فعل، تفكر بالعودة الى صيغ لبنان الصغير(الامارة والقائمقامية والمتصرفية) المتلائمة مع دورها السياسي الصغير، وطموحاتها وقدراتها وخبراتها المتواضعة. حينما لا تستطيع تلك النخب المأزومة ادارة دولة لبنان الكبير، تفكر بالعودة الى إدارة لبنان الصغير. 

من هنا، يمكن القول انه  لا نستطيع ان نتخلى عن دورنا في الصراع من أجل قضية الحقوق الوطنية والانسانية للشعب الفلسطيني، ومن أجل حماية استقلالنا، و حرية قرارنا الوطني اللبناني  الذود عن أرضنا وشعبنا  في جنوب لبنان، وكذلك لن نتخلى عن العمل في سبيل استعادة اراضينا المحتلة من قبل اسرائيل منذ عام 1967 ومن أجل حقنا الوطني في استخراج النفط والغاز من مياهنا الاقليمية ، و لن نتخلى عن حقنا في تسليح جيشنا بكافة أنواع الأسلحة الفعالة والحديثة.

وفي هذا السياق، من نافل القول أن الأمن القومي اللبناني او عقيدة  الاستراتيجية الدفاعية يجب ان تتضمن الدمج بين قوات الجيش اللبناني النظامية وقوات المقاومة المعتمدة تكتيك حرب العصابات (Guerilla Warfare  )، علماً ان الصيغتين تعتبران بحسب كلاوسفيتز وماكيافيلي امتداداً لانخراط المجتمع والشعب في ممارسة العمل السياسي الوطني، فالحرب استمرار للسياسة بوسائل اخرى وانعكاس لارادة الشعب الذي يعمل على فرض ارادته على العدو المهدد لأمنه وكيانه الوطني ووجوده.

وإنطلاقاً من هذه المعايير يجدر مقاربة مسألة الاستراتيجية الدفاعية وتكامل الجيش والمقاومة  والمجتمع بعيداً عن الاعتبارات السياسية والطائفية، وفي توقيت يتّسم بالاستقرار والتوافق والتفاهم والوئام والتواصل، وليس في زمن الصراعات المسلحة والاحتراب الطائفي الذي يجعل السلم الأهلي بارداً جداً . فالأمن القومي اللبناني بحاجة الى الابقاء على قوتي الجيش والمقاومة في هذه المرحلة، وبحاجة ماسة الى منع اي تصادم بين الطرفين حتى لا ينهار الجيش وينقسم المجتمع طائفياً .

 خلاصة القول هنا أن الزمن الحالي ليس مناسباً لطرح موضوع الاستراتيجية الدفاعية على بساط البحث و الجدل ورهنه للمزاج الحاد للزعامات الطائفية ، او لطرح موضوع مركزة قرار الحرب والسلم في يد سلطة سياسية منقسمة على نفسها ودولة على شفير الانهيار . فالكلام الحالي عن محاسبة حزب الله لفتحه جبهة الجنوب المساندة لغزة، اقل مايقال فيه أنه ليس حكيماً ولا مسؤولاً، ويهدد الوحدة الوطنية. هذا الموضوع الحساس الذي يمس وحدة الكيان ووجوده، من الأنسب نقاشه  بعد انتخاب رئيس للجمهورية،  واتضاح معالم النظام الاقليمي الجديد بعد حرب غزة .

 ولطالما  توزعت  الطوائف اللبنانية أدوار الغبن والهيمنة، و لطالما كانت السياسة اللبنانية تقوم على اعتبار الطوائف و الأحجام و الأدوار : فإذا كانت الطائفة الشيعية قد أنتقلت من التهميش في نظام الـ43 الى المشاركة في ادارة الحكم بعد الطائف، فهي قد عزت صعود دورها السياسي الى ممارستها العمل العسكري المقاوم ضد الاحتلال الاسرائيلي. وفي إعتقادهم فإن من يريد سلبهم هذه القوة و هذا الدور، فإنه يعمل على اعادتهم الى حافة الوطن و الى القعر الإجتماعي؛ ومن هنا يمثل الحوار بين جميع الأفرقاء حلاً كونه يقدم  ضمانات و تنازلات متبادلة و يبتكر صيغاً خلاّقة للتعاون و التبادل الوطني و الاعتماد المتبادل (interdependency ) والعيش المشترك ويسهم بتجاوز علاقات الخوف و الفرقة والتنابذ والعصبية الفئوية و علاقات الغلبة التي تحدث عنها كثيراً ابن خلدون في شرحه للعصبية القبلية. أليست الطوائف اللبنانية قبائل أيضاً!!؟.       

من جهة ثانية، يجب طرق  موضوع اللامركزية الادارية الموسعة ، بوصفها باباً من ابواب الإصلاح في اتفاق الطائف، وهذا ما ترمي اليه  فكرة اللامركزية الادارية المطروحة في الطائف، وفي مشروع قانون الوزير زياد بارود لعام 2012 الذي يتوخى بلوغ الانماء المتوازن للمناطق والمجتمعات المحلية من خلال توظيف العائدات والمداخيل المتأتية عبر ممارسة الجباية المالية من قبل ادارات المحافظات او الدوائر الجغرافية الادارية المستحدثة، وهذه المعاني للامركزية الإدارية الموسعة، بحسب رأي بارود ، لا تستقيم والدعوات لاقامة صيغ فدرالية او كونفدرالية فيما بين المناطق والمجتمعات الطائفية والتي تخدم جميعها غاية التقسيم والتجزئة في نهاية المطاف .

وفي هذا الاطار، يجدر التذكير – مثلاً - بان الحكومة المركزية في النظام الفدرالي الأميركي تقوم بتمويل المشاريع الانمائية التي تقرها بعض الولايات او بعض المقاطعات، حينما لا يكفيها محاصيل الجباية المالية و الضرائب المستحصلة من المواطنين و المكلفين المقيمين ؛ لذلك فإن اللامركزية الادارية الموسعة لا تلغي الدور الضروري والأساسي للدولة المركزية في لبنان، سيما أن التخطيط المركزي للانماء المناطقي ولتنمية الموارد البشرية يساهم في ايجاد الاستقرار والنمو ،علماً ان التاريخ المعاصر للجماعات المسيحية في لبنان الصغير والكبير يفيد ان الاستقرار السياسي أدّى الى الاستقرار الاجتماعي و الى التنمية الاقتصادية. ومثال المتصرفية في جبل لبنان (1861 – 1918 ) وتوفيرها لحالة الاستقرار السياسي لأكثر من نصف قرن والذي ساهم في صعود الدور الماروني في البلاد لهو دليل ساطع على ذلك.

كان افلاطون لا يستسيغ فكرة الديمقراطية التي تؤدي الى الفوضى ، وكان يفضل استقرار الحكم بفعل وجود سلطة الفيلسوف الحاكم . فقليل من الديمقراطية وكثير من الاستقرار كفيل بحماية الوجود المسيحي في لبنان، الذي يحتاج الى وجود مشروع دولة ذات مؤسسات مستقرة ومستدامة .

 

الأكثر قراءة

ايجابيات نيويورك لا تلغي الخوف من حسابات نتانياهو الخاطئة ميقاتي يعود من العراق قلقا… وعقبتان امام حل «اليوم التالي»؟