اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


تأتي رواية "يوميات عقيمة"، الصادرة عن الدار العربية للعلوم ناشرون في تشرين الاول 2023، كإضافة مميزة للأدب العربي الحديث. كتبتها منير الحايك محاولًا الكشف عن موضوع قلّما تم التحدّث عنه في الروايات العربية وهو طفل الأنبوب والتفاصيل التي تصاحب الأمر، فقدّم نصًا يمزج بين الواقع والخيال بأسلوب سردي متميز، وبلغة سلسة وغير معقّدة.

تدور أحداث الرواية حول شخصية "فاطمة"، الفتاة اللبنانية ابنة الضيعة البقاعية، ولكنها تشبه كل أبناء الأرياف، والتي تتنقل بين مراحل حياتها المختلفة عبر استرجاعات متقنة. كما تُبرز الرواية قصة فاطمة في شبابها ومراهقتها وحتى نهاية ثلاثينياتها، وتتناول حياتها كزوجة وأم. عبر هذه المراحل، تبرز الشخصيات الأخرى مثل سلامة، صديقتها، ووداد، شقيقتها، وحسان، زوجها، وسعد، المتحرش الذي يبقى مجهول الهوية بشكل كبير، فترى أن الكاتب كان يقصد تجنب أي تبريرات لأفعاله.

الرواية تأخذنا في رحلة مع فاطمة التي تتزوج من رجل خمسيني أرمل وتسافر معه إلى كندا، حيث تواجه تحديات عدم الحمل الطبيعي واللجوء إلى عملية طفل الأنبوب. تُعالج الرواية المسائل الأخلاقية والدينية المرتبطة بالتبرع بالبويضات والنطف، وتفتح نقاشًا عميقًا حول مؤسسة الزواج والعائلة والبحث عن السعادة والاكتفاء.

تصور الرواية حسان، الزوج، كيساري مهزوم تخلّى عن أفكاره الثورية هربًا إلى المهجر، متورطًا في علاقة أبوية مع طفل، كانت الحالة الطبيعية تقول كان من الأفضل لو كان جده. تركز الرواية على أُسس العلاقة الزوجية وما يجب أن تبنى عليه، مستعرضة أزمة فاطمة النفسية وتفاصيل معاناتها حتى إنجابها.

من خلال شخصية المتحرش، تُبرز الرواية قضايا التحرش دون محاولة لتبريرها، مع التركيز على انتصار الأمومة رغم الأزمات النفسية والاجتماعية. وتُبرز أيضًا أزمات نفسية عميقة تعصف بشخصياتها، كاشفة عن صعوبة التعامل معها وتحولها إلى اشتباكات داخلية شخصية وأخرى مع من نحب.

ثمة أمور لا بدّ من الإشارة إليها أيضًا في هذه الرواية، ولعلّ أبرزها لعبة الزمان التي اعتمدتها، فنحن اعتدنا أن ينتقل زمن الحكاية بين زمنين متباعدين، بينما في هذه الرواية يكون الزمن في نهايتها متقاربًا حتى يصبح زمنًا واحدًا، فتكون هذه التقنية من الأمور الجديدة التي قدّمتها. كما أنّ عدم تركيز الرواية على المكان، وهو كندا، كمسرح للأحداث، كان مقصودًا أيضًا لأنّ الرواية أرادت التركيز على الشخصية، وعلى أنّ الأزمات والمشاكل الزوجية ليست محدودة بزمان أو مكان.

"يوميات عقيمة" ليست مجرد رواية عن المرأة العقيمة التي حاربت من أجل الأمومة، بل هي نصّ يعالج قضايا اجتماعية معقدة مثل ظلم النساء في مجتمع يُعاقبهن على الطلاق أو عدم الزواج أو المطالبة بالشركة في الحياة الزوجية. كما أنها كانت رواية معاصرة فنرى فيها ذِكرا لأحداث وثّقت لها، مثل مقتل الحريري وما سببه موت الأخ في الانفجار، وصولًا إلى الأزمة المالية وما سببه ذلك من أزمات لدى سلامة، وكيف أثّر ذلك في علاقتها بصديقتها، وهو أمر قالته الرواية صراحةً، ولكن الكاتب أعاد ترتيب العناصر بأسلوب مبتكر، متجاوزًا التجارب الخاصة للكشف عن واقع المرأة في مجتمع بعيد عن تحقيق العدالة لها.

في الختام، تقدم رواية "يوميات عقيمة" نظرة عميقة ومؤثرة بحياة المرأة في مجتمعاتنا، مركزة على الصراعات النفسية والاجتماعية التي تواجهها، داعيةً إلى إعادة النظر في المعايير الاجتماعية وإعطاء المرأة العدالة التي تستحقها. هي رواية تجمع بين التجربة الشخصية والرؤية الشاملة لقضايا النساء، مما يجعلها عملًا أدبيًا يستحق القراءة والتأمل.