اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


 منذ الخمسينات من القرن الماضي، ونحن نملأ الدنيا بالصراخ ضد أميركا. كل الذين كانوا يصرخون، ويتوقعون أن يؤدي صراخهم الى سقوطها، كانوا يحلمون بالهجرة اليها أو بالدراسة فيها. الافتتان حيناً بتفاهات جون واين، وهو على صهوة حصانه في الطريق الى الغرب الأميركي وحيناً بساقي مارلين مونرو لكأنهما أشد هولاً من ساقي تحية كاريوكا أو سامية جمال.

 أنظروا الى الكتّاب والأكاديميين العرب في أميركا. هؤلاء الذين اذ يعتاشون من المال الأميركي، ويظهرون على الشاشات الأميركية، يأخذون على الآخرين التبعبة لأميركا، خشيتنا أن نكون نحارب طواحين الهواء.

 تناقضاتنا شيزوفرانيا غرائبية، لا مكان لها حتى في مخيلة سيغمند فرويد. كل شيء صناعة أميركية، وحتى "النيواسلام" بصيغة جيمس وولسي أم بصيغة جون فوستر دالاس؟ ناهيك عن ثورة الاتصالات التي نقلتنا من زمن الى زمن حتى اذا ظهرت جائحة "كوفيد ـ 19" لم تتجه الأنظار الى الصين التي ولدت فيها الجائحة، ولا الى روسيا بصواريخها العابرة للقارات، ولا الى ايران التي تبشر بنهاية وشيكة لـ"الشيطان الأكبر" وانما الى الولايات المتحدة التي أول من أنتج اللقاح".

 بعد 7 عقود من الصراخ في الشوارع أو على المنابر ضد أميركا، كلنا في القاع. القاع الحضاري والقاع التاريخي، ناهيك عن القاع السياسي والقاع الاقتصادي. القيادة المركزية الأميركية فوق أرضنا. البلدان العربية الثرية والفقيرة كلها في السلة الأميركية. من يعترض باصبع الكاوبوي... الى الجحيم!

 ما هذه "الاسرائيل" كرهينة أميركية ؟ الآن،  مفكرون يهود يرون أن أهمية اليهود في تواجدهم في أرجاء العالم "لا في ذلك الهولوكوست الذي يدعى أرض الميعاد". اتهام الى الأميركيين والأوروبيين بأنهم "زجوا بنا بين أولئك الأعداء للاجهاز علينا". لننظر الى ما وراء المشهد. لماذا كل تلك المساعدات المالية والعسكرية للدولة العبرية؟ أليس من أجل أن تبقى خط الدفاع الأول عن المصالح الأميركية؟ من هنا الدعوة الى الثورة على أميركا ؟!

" اسرائيل"،  بالعقل التوراتي والاسبارطي،  وبالترسانة النووية،  وبطبيعة الحال بتطورها التكنولوجي الكبير،  بدت نمراً من القش أمام مقاومين يقاتلون حفاة من داخل الزنزانة،  بل من داخل المقبرة.

 على بعض المواقع "أميركا تقتلنا" "أميركا تسلمنا جثثاً الى الفلسطينيين". أكثر من ذلك "انها تستنزفنا بعدم تركنا نقضي على من يهدد بقاءنا". "حين نرحل من هنا ليست أميركا وحدها التي ترحل،  الله أيضاً يرحل".

 غريب أن ما يقوله العرب المناوئون لأميركا يقوله اليمين "الاسرائيلي" الآن. القاعدة الفلسفية للاستراتيجية الأميركية على امتداد الكرة الأرضية وليس فقط في الشرق الأوسط،  صناعة الصراعات وادارة الصراعات.

 أجل منذ أن نولد، ونحن في صراخنا العبثي ضد أميركا. اذا بنا ننتظر على أحرّ من الجمر أن يأتينا آموس هوكشتاين لحل مشكلة الحدود مع "اسرائيل"، وننتظر جولات "اللجنة الخماسية" برئاسة ليزا جونسون لتصنيع رئيس لجمهوريتنا. واذا بايران تعقد معها الاتفاق النووي لفك الحصار عنها، وتصدير النفط والغاز (والفستق الحلبي) من جهة، ومن جهة أخرى لاستجلاب الاستثمارات.

 هؤلاء هم الأميركيون، وهؤلاء من يقاتلونها، علّهم يتمكنون من الحد من المسار الهيستيري أن في سياسات البيت الأبيض، أو في سياسات الكونغرس الذي طالما قلنا انه الهيكل الثالث، وحيث يجلس كبار "حاخامات" القرن كشخصيات تحمل تفويضاً الهياً باعطاء الأولوية لحماية "اسرائيل". لا دليل على امكانية الحد من ذلك المسار الهيستيري بتداعياته الكارثية على الأمبراطورية.

 الأميركيون لن ينظروا الينا مثلما ينظرون الى اليابانيين، أو مثلما ينظرون الى الكوريين الجنوبيين. برنارد لويس لم يجد فينا سوى "الأحافير البشرية" التي تستحيل اعادتها الى الحياة. المهم لم يعودوا ينظرون الى "الاسرائيليين" كونهم قوماً من العمالقة.

 ربما كانت فاتنا أن ثقافة الغيب عندنا غير ثقافة الغيبوبة. عندهم ثقافة الغيب هي ثقافة القيامة. آفتنا الأخرى أن الأميركيين الذين مارسوا عبودية الآخرين منذ أن قامت دولتهم، يرون فينا كعرب، عبيداً بخمسة نجوم....

 الى اشعار آخر، ربما الى زمن آخر، الكونغرس حالة توراتية لا مجال لكسرها الا باستراتيجية عربية تهز جدران الأمبراطورية. يا لخيالنا الذي كما لو أنه خيال الماعز!!

الأكثر قراءة

ايجابيات نيويورك لا تلغي الخوف من حسابات نتانياهو الخاطئة ميقاتي يعود من العراق قلقا… وعقبتان امام حل «اليوم التالي»؟