اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


...وكان ردي "يمكنني أن أثق بالشيطان ولا أثق باسرائيل". آراء خليجيين، سواء كانوا زملاء أم أكاديميين أم باحثين، اتصلوا بي تعليقاً على مقالتي "أيها الأمير لا تصالح"، جاءت متناقضة على نحو مثير، لأخلص الى القول كم كان ضرورياً التطبيع السعودي مع سوريا، وكم هو قاتل التطبيع السعودي مع "اسرائيل"، رافضاً الرأي القائل "التطبيع التكتيكي مع دمشق، والتطبيع الاستراتيجي مع تل أبيب".

قاتل لأنه السقوط الكامل للعالم العربي بين براثن من يرون فينا "الديدان البشرية"، ودون أن يكون هذا فقط رأي "الحاخامات"، وهم يدعون "الملائكة المدمرة" الى محقنا، بل هو رأي الساسة والجنرالات، وحتى عمال التنطيفات في المستوطنات.

دعاة التطبيع يرون أنه ما دامت أميركا، بحضورها الهائل وبتأثيرها الهائل، في أرجاء الكرة الأرضية، تعتبر الدولة العبرية وديعتها الالهية في الشرق الأوسط، ما بدا صارخاً في الأشهر الأخيرة، لا جدوى من اي صراع عسكري أو حتى صراع سياسي، ما يستدعي اعادة النظر في "الرؤية" التي تم انتهاجها على مدى ثلاثة أرباع القرن، وأدت الى كل اشكال الكوارث.

لعل من أطرف ما قاله لنا محلل سياسي ان باستطاعة المملكة، بما أوتيت من امكانات مالية، أن تستوعب الدولة العبرية، خلافاً لمصر بأوضاعها الاقتصادية المعقدة، وخلافاً للأردن الذي يدين ببقائه للمال الخارجي.

في نظره "بشكل عام، باستطاعة المنطقة العربية، بالرغم من أزماتها البنيوية، وغالباً ما تكون ناتجة عن سوء السلطة أو قصورها أو تواطئها، الاحتواء التدريجي لاسرائيل"، آخذاً بنظرية "الاحتواء" التي أطلقها الديبلوماسي الأميركي جورج كينان عام 1946، وكان لها تأثيرها على الاستراتيجية الأميركية التي تمكنت، وبفعل تلك النظرية، من تفكيك الأمبراطورية السوفياتية.

سؤالنا البديهي، هل نحن كبلدان لا تزال على قارعة القرن صناعياً وتكنولوجياً وثقافياً وحتى سياسياً،  قادرون على احتواء "اسرائيل" بالامتداد الأخطبوطي لـ"المؤسسة اليهودية"؟ أم العكس الذي يمكن أن يحدث، ومع اعتبار أن المال، اذا لم يستند الى القوة الذاتية، لا يمكن أن يكون فاعلاً في ارساء ديناميات التوازن مع تلك المخلوقات "ما فوق البشرية"، والتي تنتمي الى ايديولوجيا صدئة، وتدعو الى الاجتثاث الهمجي للآخر.

شئنا أم أبينا، اليهود سادة اللعبة المالية في العالم. تذكرون ما فعله رجل "وول ستريت" جورج سوروس ببريطانيا عام 1992، حين قال لرئيس الوزراء جون ميجور "بحركة من اصبعي، استطيع أن أدفع بالجنيه الاسترليني الى القاع". هذا ما حدث، وكان أن "الفايننشال تايمز" كتبت آنذاك، "لكأننا نشهد سقوط التاج عن رأس الملكة"!

بالكثير من الارتياح تعاملنا مع تعيين سفير سعودي في دمشق. هي عودة الأهل الى الأهل، ومن تراه يضمد الجراح سوى الأهل؟ ولكن لنتصور أن أحد أولئك الذئاب الذين يديرون ظهورهم لكل العالم، وحتى لأميركا، للمضي في الابادة المنهجية للأطفال وللنساء وللشيوخ في فلسطين، وهو يتجول في شوارع مكة. هذه مدينة تعني ما تعنيه تاريخياً وعقائديا وعاطفياً للعرب.

"اسرائيل" الآن في ذروة ضعفها وفي ذروة تفككها وفي ذروة أزمتها (حتى أزمتها الوجودية). هذا ما نشهده على الأرض حين يكون هناك 24 لواء تحاصر كل حبة رمل في غزة، التي تحيط بها الاسلاك الشائكة من كل حدب وصوب، ودون أن تتمكن على مدى 8 اشهر من القضاء على المقاومة. ولطالما قلنا ان القبور تقاوم في غزة.

هذه ليست قضية حماس البعيدة عنا في بنيتها الايديولوجية، لكنها قضية العرب حين تكون تلك الحالة البربرية مزروعة في عقر دارنا، وبثقافة توراتية تضع مصيرنا كله على حافة السكين.

لنعد الى آراء زئيف جابوتنسكي الذي قال، ويجاريه في ذلك الأميركيون "لندعهم ـ أي العرب ـ في غيبوبتهم، والى الأبد".

لا نعتقد أن الأمير محمد بن سلمان سيمد يدهِ الى بنيامين نتنياهو، أو الى أي من أركان ذلك اليمين بالأدمغة الصدئة، كما لن يسمح لجورج سوروس أن يقول "بحركة من اصبعي أنزع الكوفية (لا التاج) عن رأس الملك"...

الأكثر قراءة

ايجابيات نيويورك لا تلغي الخوف من حسابات نتانياهو الخاطئة ميقاتي يعود من العراق قلقا… وعقبتان امام حل «اليوم التالي»؟