اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

أبرز ما يميز الأمسية التي قدمتها "الفرقة الوطنية السورية للموسيقى العربية"، بقيادة المايسترو عدنان فتح الله، في تكريم فيلمون وهبي، هو المجاهرة بستة أصوات ذكية قادرة على تقديم جماليات ما أبدعه "شيخ الملحنين" بكل ما تتضمنه من ذكاء مُركَّب وصعوبة وحساسية فائقة، ناجمة عن فطرة وهبي الفريدة التي تُمسك المستمع منذ النوتات الأولى لمقدمة أي أغنية قام بتلحينها.

ومن الميزات الإضافية للأمسية التي احتضنتها "دار الأوبرا" في دمشق، هي أن كل صوت من أصوات المغنين المشاركين وهم: بلال الجندي، فادي زرقا، رماح شلغين، مايا زين الدين، لاميتا أيشوع، سيلفانا دياب، له شخصيته الخاصة، بحيث تمت مباشرةً، ومع بدء كل منهم بالغناء، إزاحة أي مقارنة بين أداءات هؤلاء الشباب وبين المطربين الذين غنّوا لهم، إلى درجة جعلت الحاضرين يؤثرون البحث في العلاقة بين تلك الأصوات وألحان وهبي، ومدى الانسجام والتوافق بينهما، ومقدار الفهم الحقيقي لخصائص اللحن وقدرته على مَوسَقة الأشعار وجَوْهَرَتها والغوص في معناها.

والجميل أيضاً هو العفوية في تقديم ألحان "سبع الملحنين" من دون المبالغة في إظهار حُلْيات الصوت والمُبالغة في تقديم العُرَب وغيرها من بدائع الحناجر وزخرفات الأداء. إذ جاءت تلك الأصوات كقماشات رهيفة تترك لنغمات وهبي أن تُطرِّزها بخيوط حريرية جميلة، وبقُطَب زاخرة في بهائها.

بدأت الأمسية بأغنية "فايق يا هوى" بصوت لاميتا أيشوع التي استطاعت أن تبرز ما أوضحته السيدة فيروز في الفيلم التعريفي عن فيلمون وهبي والذي عُرض في بداية الحفل، والذي قالت فيه إن: "فيلمون خُلِقَ ضد الفشل، بس أنا بعرف فيلمون اللي جوا كمان، إنسان حساس كتير وحزنو هو اللي بيخلق ألحانو مش ضحكو".

أما ثاني الأصوات فكانت مايا زين الدين، التي أبرزت قدراتها التطريبية على مقام الراست بأغنية "ليلية بترجع يا ليل"، بحيث انجدل لحن وهبي مع قوة صوتها ورنَّته الخاصة المُطالبة بإزاحة الليل وأن يغيب عن حياتنا، ليكون صوتها كضوء آخر أشرق على الأمسية، وكأسا من الكؤوس الصافية التي شربها الحضور، فزادت متعته.

أما صوت فادي زرقا، الواثق والحيوي، فأخذ جمهور صالة الأوبرا في رحلة مغايرة عبر أغنية "بترحلك مشوار" ومقام الراست التطريبي، بحيث أن هذا المطرب الشاب غَزَل السعادة بحباله الصوتية ونشرها من حنجرته، وتناغم بذلك مع روح الكلمات واندغم مع معناها، فبات أداؤه بمثابة بسمة الأمسية، والتحلية لكأس المر، وكأنه ترجيع صدى لموال "حبابي وين ما راحو يحلّون" الذي لوَّن من خلاله فنون الحب وجنونه من خلال الصوت وحده.

أما الصوت السادس فكان رماح شلغين، ذي الخامة المميزة، والذي اتكأ على تقلبات مقام البيات في أغنيتي "يا مرسال المراسيل" و "ها الدلعونية" اللتين قدَّمها باقتدار، آخذاً إيانا في جولة جمالية بين هدوء الشجون وديناميكية الفرح لذاك المقام الشعبي، ليبرز قدراته الفائقة في الطبقات العالية، وبخاصة أثناء أدائه للموال السبعاوي "من يوم فرقاك كاسات شربي سِما"، وحساسية التنقلات بين جمله الموسيقية وعلامات ركوزه، بحيث انبعث صوته بمساحاته الواسعة كاوياً إيانا بنار الهوى التي استعرت في حنجرته وصدق إحساسه.


الأكثر قراءة

ايجابيات نيويورك لا تلغي الخوف من حسابات نتانياهو الخاطئة ميقاتي يعود من العراق قلقا… وعقبتان امام حل «اليوم التالي»؟