اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


لعلّ من أكثر الأمور اثارة، مقاربة بعض المعلقين "الاسرائيليين" لكلمات السيد حسن نصرالله. هؤلاء يحاولون الدخول الى حالته السيكولوجية من خلال نبرة صوته وحركة يديه، اضافة الى تعابير وجهه، في تلك اللحظات لقراءة ما في رأس الرجل. وقد بدا  أثناء كلمته يوم عاشوراء واثقاً من قوة المقاومة وفاعلية أدائها، أكثر من أي وقت مضى.

هل تلقى أو صنع أسلحة أكثر تطوراً في الحقبة الأخيرة، جعلته يزداد يقيناً بأن بنيامين نتنياهو لن يتجرأ على أن يطأ الأرض اللبنانية، والا فان دبابات الميركافا التي كان غادي اشكنازي قد وصفها بـ"معطفنا المقدس"، ستتحول الى رماد لكي يسقط هذا المعطف عن كتفي يوشع بن نون، وتبدو الدولة العبرية عارية حتى العظم.

وهل أن الأمين العام لحزب الله يرى الى أي مدى تبدو "اسرائيل" منهكة سياسياً وعسكرياً  واقتصادياً، وحتى نفسياً. تزامناً مع الارتباك الأميركي، ان بسبب التصدعات الداخلية أو بسبب الدوار العبثي على الأرض الأوكرانية، التي باتت بمثابة الهاجس القاتل لادارة جو بايدن، وهو ما أدركه دونالد ترامب الذي تعهد بمعالجة ما دعاها بـ "الحماقة الاستراتيجية" التي وقعت بها هذه الادارة.

الحال، السيد كان يعلم أن المقاومة في غزة ستستمر لأشهر طويلة، ولكن هل من أحد كان يتوقع أن تصل "اسرائيل" الى هذا الوضع، كرهينة في قبضة بنيامين نتنياهو الذي كل ما يعنيه البقاء على الكرسي، تفادياً للجلوس على الكرسي الكهربائي، وبعدما تبيّن أن الجنرالات وقادة الأجهزة الأمنية ينتظرون أن يطأوا جثته في اية لحظة.

أحد "الاسرائيليين" غرّد بالقول "لقد قتل اسحق رابين لأنه ذهب أكثر مما ينبغي في لعبة السلام، وليس مستبعداً أن يلقى نتنياهو المصير ذاته لأنه ذهب أكثر مما ينبغي في لعبة الحرب"، بآثارها الكارثية على "اسرائيل". رصاصة واحدة في الرأس هي الحل، والا فان الدولة العبرية ستظل هكذا، تترنح على حافة الهاوية، دون أن يعترف بأنه مثلما حوّل غزة الى حطام، تحوّل هو الى حطام.

ايهود باراك قال له "ان أردت أن تنتحر في لبنان، اذهب بمفردك وقاتل هناك. لا تجرنا وراءك، ولا تستطيع أن تجرّ أميركا وراءك". رئيس الحكومة السابق، الذي تتكدس على صدره أكبر كمية من الأوسمة، عاش أقصى المرارات على الأرض اللبنانية، ليأمر بـ"الخروج من الجحيم". واذا كان ديفيد غروسمان قد كتب عن "بكاء الميركافا" في وادي الحجيري، فلسوف يكتب عن "بكاء التوراة"  حال أن يضع "الاسرائيليون" أقدامهم على التراب اللبناني.

مع اعتدادنا بكلام السيد، نعود الى الكلام "الاسرائيلي". لم يعد ذلك العقل الاسبارطي التوراتي ان شئتم، يراهن على اليوم الأول بترويع العدو  وبتحطيم أعصابه، وحتى بتحطيم عظامه. هو من يتوقع الأهوال من اليوم الأول.

لنكن أكثر وضوحاً. اذا لم تتجرأ القيادة "الاسرائيلية" على شن الحرب على لبنان الآن، لن تستطيع ذلك في أي وقت آخر. هذا ما يفترض أن تدركه بعض القوى اللبنانية، بثقافة القرن التاسع عشر. لبنان دولة قوية وقادرة أن تحمي حدودها، وبامكانها أن يكون لها حضورها  كدولة مؤثرة، ان في المحافل الاقليمية أو في المحافل الدولية، لا أن تتسكع على أرصفة الأمم أو على أبواب القصور.

والا لماذا ذاك التردد في الموقف "الاسرائيلي"، دون أن يعني ذلك أن قوة المقاومة ستوظف داخلياً، أن لتغيير الهوية الوطنية والعربية للبنان، أو لتغيير الصيغة لمصلحة فئة، أو لمصلحة طائفة دون الفئات  ودون الطوائف الأخرى. ولكن ثمة شيء ما ينبغي أن يتغير في المفاهيم الخاصة ببناء الدولة بعيداً عن لغة الطوائف وعن لغة المافيات، وقد قادت البلاد الى هذا الخراب العظيم.

لبنان دولة للتنوع وللتفاعل، بالمعنى الديناميكي للقوة كأساس فلسفي لاعادة بناء الدولة. ومثلما راهنا على المقاومة في حماية لبنان عسكرياً، رهاننا الآن على ما دعت اليه قيادة المقاومة في أكثر من مناسبة. دولة قادرة برؤية سياسية واقتصادية واستراتيجية بعيدة المدى، ولها دورها في الاقليم كما في العالم.

كلام يوحي به كل ما عانيناه ونعانيه من الدولة ـ اللادولة، مثلما يوحي به ما حدث ويحدث في الجنوب. لبنان ينبغي أن يكون... لبنان.

الأكثر قراءة

واشنطن لا ترى مؤشرات حرب شاملة وخطاب نصرالله يثير الذعر في «إسرائيل» «الموساد» يطارد مسيرات المقاومة في اوروبا وقلق من الغواصات؟ تسوية «الحربية» لا تنسحب على «الاركان»