اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب



هي واحدة ربّما من الحالات النادرة التي لا يستهول فيها المرءُ موتَه، ولو مُجرّدَ فكرة تخطر له على بال. وقد تذهب الحال ببعضهم الى ما هو أبعد من الاستهوال ذاتاً.... فعند محَنٍ بعينها تصيب المجتمع او الجماعات، قد يحلو لدى أكثر الناس حبّاً للحياة، بما هي الحياة كرامةٌ انسانية وعزٌّ وارتقاء، قد يحلو الموت على الحياة مجرّدةً من مراميها. بلى، قد يحلو لدى كبار النفوس الموت حين يرون شعبهم ينقاد خلف قادة فاسدين الى موته المحتوم وهم ذوي النفوس العظيمة، محاصرون لا يقوون على ايقاف الشعب عن متابعة سيره الى موته المجّاني الرهيب.

جورج قرم الذي تشهد له مسيرته أنّه أكبر من الألقاب كلّها، لا أراه الّا في أول لائحة الذين أضناهم، حتّى الوجع الأخير، عذاب هذا المشهد للبنان الساعي به فاسدوه الى نهايةٍ، قد لا يُرجَى له من بعدها قيامة. لا أقول انّه أحبّ موته، لكنه عانى ما هو أشدّ هولا من الموت.

الرجل هو نموذج للذين تجعل مسيرتُهم في الحياة، أسماءهم مرادفاتٍ لقيمٍ سامية ولمفاهيم راقية او لنقيضها. فذكرُنا مثلًا لاسم سليم الحص، هو استحضارٌ فوريٌّ للنزاهة وللشفافية وللعلم. تماما كما هو ذكرُنا اليوم اسمَ العلم الكبير جورج قرم المغادر منذ أيام.

جورج قرم ما هو فقط اسمٌ علمٌ لرجل علم واسع الاَفاق، هو الى ذلك عنوانٌ لمدرسة قيَمٍ في السياسة والاجتماع، مهددة اليوم بالافلاس الكلّي وبالانهيار. لقد كتب عنه بعضُ عارفيه وقادريه عن قرب، ما قد يفيه بعضَ حقّ له لدى اهل المعرفة بالحقّ والوفاء. وقد كان نصري الصايغ احد هؤلاء الذين يصوغون الوفاء أدبا، لا يرقى الى مثله الّا المنذورون للحقّ والخير والجمال.

ومن قبلُ ومن بعدُ، لقد رحل جورج قرم كما عاش وديعا ومتواضع القلب. رحل كبيرا كبيرا الى حدّ انّ أحدا من أكابر أهل النفاق وأهل الكسل الأخلاقي، لم يحضر مأتمه ولم يشارك في وداعه، فطوباه طوباه...

الأكثر قراءة

نتائج زيارة هوكشتاين لاسرائيل: تقدم وايجابية ومجازر وتدمير؟! نتانياهو يراهن على الوقت لفرض هدنة مؤقتة مرفوضة لبنانيا الجيش الاسرائيلي منهك... ولا بحث بتجريد المقاومة من سلاحها