اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

في خضم الأزمات المتلاطمة، تبقى رغبة الإنسان في الأمان ملاذاً لا يمكن الاستغناء عنه. عائلة من خمسة أفراد، هربت من جحيم الحرب في لبنان، بحثاً عن حياة جديدة في سوريا. لكن المفاجآت كانت في انتظارهم عند الحدود، حيث يتحول البحث عن الأمان إلى تجربة سيئة تجسد جوانب معقدة من الوجود الإنساني.

فعندما قررت عائلة عصام ش. مغادرة لبنان، كانت قلوبهم مفعمة بالأمل، لكن عيونهم كانت تراقب كل حركة. حملوا أغراضهم وانطلقوا نحو سوريا، في رحلة كانت تبدو وكأنها تجسيد لقصص الهروب من الاضطهاد.

وعند وصولهم إلى الحدود، استقبلتهم الجمارك اللبنانية بـ "ورقة طوارئ»، معلنةً دخولهم إلى سوريا دون الحاجة الى دفع أي رسوم لسيارتهم. لكن هل كانت تلك هي البداية فقط؟

فعندما وصلت العائلة إلى "هنكار" الجمارك السورية، تغير كل شيء. كان هناك في الغرفة الصغيرة أربعة أشخاص: لبنانيان وسوريان يجلسون في انتظار الضحية التالية. طلبوا من عصام وعائلته 110 دولارات ومليون ليرة سورية لاتمام أوراق سيارتهم. وعندما تساءل عصام عن سبب هذا المبلغ، جاء الرد بأنه «تكاليف طوابع». وكان الأمر كأنهم يسحبون من جيوبهم تحت ضغط الحاجة (سمسرة).

لكن العائلة رفضت الدفع، وهددت بالتواصل مع الوزير علي حمية. كانت تلك اللحظة  يسودها التوتر والقلق، فاتصلوا بحزب الله للاستيضاح عن المسألة فكان الرد «ما تدفعوا ولا ليرة»، فطلبت العائلة مقابلة المسؤول عن الجمارك، حيث تجسد الصراع بين الشجاعة والخوف، وبدا أن العائلة تتحدى نظاما أكبر منهم.

فجأة وبعد الضغط والبلبلة، جاء عنصر من الجمارك السورية، وهو ينظر بعين مختلفة للعائلة، وبدأ يساعدهم في إنهاء الأوراق دون دفع أي مبلغ. لكن القصة لم تنتهِ هنا. فبعد أن أنجزوا معاملاتهم، عادت العائلة إلى الغرفة الصغيرة لتجمع أسماء هؤلاء السماسرة وتقديم شكوى رسمية.

لكن ما أثار دهشتهم هو موقع الغرفة، حيث كانت تلك الغرفة التي يجلس فيها السماسرة، تفصلها مسافة قصيرة عن عناصر الجمارك السورية، الذين كانوا يقفون مباشرة مقابلها. فكيف يمكن أن يجلس هؤلاء الأشخاص المجهولون أمام أعين عناصر الجمارك ويمارسون السمسرة، في حين أن النظام يفترض أن يكون هناك لحماية المواطنين من كل أشكال الاستغلال؟

فكيف يُسمح لسماسرة أن يبتزوا الناس بوجود عناصر الجمارك أمامهم؟ لقد كان الأمر مثيراً للدهشة، وكأنهم جميعاً جزء من مسرحية تراجيدية تُعرض على مسرح الحدود اللبنانية -السورية (المصنع). ومع ذلك، عندما سألوا عناصر الجمارك عن هؤلاء الأشخاص، كانت الإجابة أن هؤلاء السماسرة لا يعرفون من هم. وكأن هناك لعبة خفية تمارس على حساب معاناة اللبنانيين.

ففي هذا العالم المعقد، تظل الأسئلة بلا إجابة دائماً. كيف يمكن للدولة اللبنانية أن تحمي مواطنيها من هؤلاء السماسرة المجهولين الذين يستغلون ضعفهم؟ وما هو دور الجهات المسؤولة في كشف الغطاء عن هذه الممارسات غير القانونية؟ تبقى هذه القصة رمزا لمعاناة الكثيرين، وتحمل في طياتها دعوة للجميع للتصدي لأي شكل من أشكال الظلم.

فالأمان ليس مجرد مكان، بل حق لكل إنسان، ويجب علينا جميعا العمل على تحقيقه.

الأكثر قراءة

العلويّون ضحايا العلويين