اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


بالتزامن مع العدوان الإرهابي التدميري على لبنان ومقاومته، شنّ العدو الصهيوني حربا نفسية واسعة الآليات والأهداف والنطاق، جنّد فيها ماكينة إعلامية ضخمة، وشخصيات من مختلف الميادين، وبدأ الكلّ يعزف عبر لحن الخبث والحقد والكراهية والشماتة، على وتر الهزيمة النفسية لبيئة المقاومة ومحبيها ومؤيديها، خاصة على وقع استهدافات "البيجرز " والقادة الأوائل في صفوف المقاومة، إلا أنّ لحن الصمود والتمسك بها تفوق على ما عداه من ألحان شاذة وناشزة،

ويضاف إلى ذلك بدرجة موازية ، أدوات العدو المباشرة لا سيما أخباره الزائفة وتكتمه على خسائره وتحذيراته الإخلائية الوقحة والمستمرة، وستبقى الجهات المساندة له اعلاميا وفي غير حقول، تعزف لحن خبثها، خاصة في ظل استمرار أزمة النزوح وتبعاتها الصعبة، من هنا لا بد من التنبه على مستوى الأفراد والجهات المولجة بهذا الجانب، لكل ما يتعلق بالحرب النفسية ومحاولة التخفيف من حدّتها.

بداية، ما هي الحرب النفسية وما هي وظائفها على مستوى الهزيمة أو الانتصار في الحرب؟

تعرّف الباحثة في الانثروبولوجيا والإعلام والأستاذة الجامعية الدكتورة ليلى شمس الدين، لـ "الديار"، الحرب النفسية، بأنّها "النشاط الأول في الصراع، وهي مستمرة وغير مقيّدة، وتنتج تأثيرات في العالم "الحقيقي"، كما تطال كل المستويات في منطقة العداء المعلنة أو المحتملة، وتلعب دورًا رئيسيًا في المنافسة من خلال استخدام العمليات، والأفعال والأنشطة، بهدف أساسي يتمثّل في استهداف الخصم والتأثير عليه، والتلاعب بتصوّرات الخصم، وتغيير سلوكه ومواقفه، وتشمل هذه الحرب استخدام مكوّنات المعلومات والإنترنت والاستراتيجيات العسكرية والاستخبارات والاقتصاد في الحرب السياسية"، لافتة من حيث دورها في تحقيق النصر أو التسبّب بالهزيمة، إلى أنّ" الاستراتيجية العسكرية لا تلحظ فقط القدرة العسكرية للخصم على المقاومة، بل تسعى أيضًا لتدمير الروح المعنوية للسكان،حتى يتم تحقيق النصر العسكري بأقل تكلفة ممكنة".

الحرب النفسية: سلاح استراتيجي

اليوم، وبالتزامن مع العدوان الصهيوني على مستوى الأرواح والممتلكات، يمارس العدّو بنفس الشراسة وبأشكال خبيثة، حربّا نفسية واسعة على بيئة المقاومة، وحول أبرز تداعياتها، تلفت شمس الدين، إلى أنّها "تتسبّب بما يُسمى "المضايقة النفسية" التي تعمل على خلق ارتباك في مجموعات متعدّدة من الجماهير المستهدفة، وتهدف إلى تسهيل العمليات الهجومية من خلال تعطيل قدرة الخصم على التنظيم والتركيز، وتعتمد عمليات خداع بهدف تضليل صنّاع القرار"، وتوضح أن "استخدام الدعاية من خلال الحرب النفسية يشكّل سهم الاختراق الأوّلي في تنسيق وإعداد الناس، وتهيئة المناطق التي يتم التفكير في غزوها، وتتطلّب استراتيجيات الحرب النفسية وضع خطط قادرة على خلق تأثيرات نفسية مقبولة زمنياً لصنّاع القرار. وهي الأداة المستخدمة للتلاعب بسلوك الجمهور المستهدف في إطار زمني مقبول، وتعمل على تغيير مواقف وسلوكيات الجماهير المستهدفة، ويُقاس مدى تأثيرها عندما تنتج تأثيرات "في العالم الحقيقي" وعندها تتحوّل إلى سلاح استراتيجي"، لافتة إلى "أنّ هذه التأثيرات متروكة دائمًا للجمهور المستهدف، الذي يحدّد مقدار الضغط الكافي لممانعته، أو لدفعه إلى تغيير سلوكه".

تكتيكات الحرب النفسية

لعلّ الوسيلة الأبرز والأكثر توفرا بأيدي الجميع، والتي يعتمدها معظمنا اليوم في متابعة آخر الأخبار، هي المواقع الإلكترونية، بالتوازي مع وسائل التواصل الإجتماعي ومجموعاتها، ما يضعنا أمام تدفّق معلوماتي مكتوب ومسموع ومرئي، قد يكون أحيانا كثيرة مفبركا، ويصعب علينا التمييز ، وقد يقع بعضنا ضحية لهذه الحرب النفسية، ولو على مستوى الضغط النفسي فحسب.

وبشأن الآليات المعتمدة في هذه الحرب، تفيد شمس الدين أنّ" تكتيكات الحرب النفسية متعدّدة وتنضوي على نشر المعلومات المضلّلة، والشائعات والروايات الكاذبة، وغيرها من الأساليب، بهدف خلق مناخ من انعدام الثقة داخل المجتمعات المناهضة لها، وإحدى الأدوات الأساسية للحرب النفسية هي إثارة الخوف من الغزو أو الخضوع أو العنف ما يؤدي إلى قلق واسع النطاق، ويجعل الجماعات السلمية أكثر استعدادًا للتنازل عن مبادئها. ويؤدّي كل هذا إلى إرهاق عاطفي، بحيث تقل لدى الناس الطاقة النفسية اللازمة للمواجهة، ما يجعلهم أكثر عرضة للاستسلام للاستراتيجيات العدوانية".

وتنبه إلى أنّه "غالبًا ما تعمل الحرب النفسية على تفاقم الانقسامات القائمة داخل المجتمعات، من خلال تأجيج الصراعات الداخلية حول كيفية الاستجابة للعدوان، فالعمليات النفسية مصمّمة للعمل على تآكل الثقة والتضامن اللذين يربطان الناس معاً، ما يخلق شعوراً بالضعف والخوف واليأس".

أهداف الحرب النفسية

تشير شمس الدين، إلى أنّ العدو يمارس الكثير من استراتيجيات الحرب النفسية في هذه الحرب، ومن أبرز الأساليب والأهداف المعتمدة للحرب النفسية، هي "تشويه سمعة القيادة، وهو تكتيك رئيسي في العمليات النفسية، يعزّز من خلال التشكيك في كفاءة أو سلامة أو دوافع القادة. ما يعزّز بدوره شعور القلق والخوف، ويخلق بيئة من اليأس، وكذلك من خلال التركيز على الضحايا أو الهزائم أو المشاكل الداخلية، يمكن للحرب النفسية أن تُضعف المعنويات، وتثبّط العزائم عبر تصوير الخصم باستمرار على أنه مهيمن، وبالتالي تخلق حالة من العجز المكتسب، فيبدأ الناس بقبول الوضع الراهن بدلاً من مقاومته.

وتضيف أنّه "غالبًا ما يستخدم المعتدي وسائل الإعلام، سواء التقليدية أو الرقمية، لبث رسائل تؤكّد على عبثية المقاومة. من خلال تضخيم صور الدمار والقوّة العسكرية والتهديدات، يهدفون إلى إضعاف معنويات الجماهير، كما يمكن للعدو استخدام الدعاية لتبرير احتلاله أو عدوانه تحت ذريعة إستعادة السلام أو النظام أو الاستقرار. ويعمل على تأطير أفعاله بوصفها ضرورية لحماية المدنيين، فيضفي حينئذ الشرعية على وجوده".

أخطاء شائعة تسهم في إنجاح حملة العدو

رغم كل ما تشهده البيئة المستهدفة من خلال هذا العدوان الصهيوني الهمجي على لبنان، فإنّها قد تساهم في إنجاح مفاعيل الحرب النفسية ولو بشكل عفوي، من هنا وجب الإلتفات إلى الأخطاء الشائعة التي قد يرتكبها الأفراد أو المجتمعات والتي قد تساهم عن غير قصد في نجاح حملة الحرب النفسية للعدو، وهي تتمحور وفق شمس الدين فيما يلي:

1. نشر معلومات غير مؤكّدة دون التحقّق من دقّتها، وهو تصرّف يمكنه أن ينشر الخوف والمعلومات المضلّلة، ما يؤدي إلى تآكل الثقة في المصادر الموثوقة، ويخلق حالة من الارتباك أو الشك.

2. التعبير عن الشكوك والانقسامات العامة علنّا، بما في ذلك الإنتقادات المتعلّقة بالقيادة أو بالمنطلقات الاستراتيجية، ما يؤدّي إلى تآكل معنويات المجموعة، وهو ما يمنح العدو سهولة الوصول إلى فهم هذه الثغرات واستغلالها.

3. الانخراط في لغة الهزيمة أو المحادثات السلبية، ما يجعل المجتمع أكثر عرضة للرسائل السلبية، ويضعف العزيمة المجتمعية.

4. تجاهل أو التقليل من شأن الجانب النفسي للحرب، ما يُسهّل على الخصم شن عملياته النفسية دون أن يتم اكتشافها، فيفشل الناس في التعرّف على تكتيكات مثل التضليل والترهيب والدعاية.

5. الفشل في بناء التضامن والتواصل الواضح، بعيدًا عن مصادر موثوقة للمعلومات، فيصبح الناس أكثر عرضة للجوء إلى قنوات متحيّزة أو مدعومة من العدو.

6. المبالغة في رد الفعل اتجاه الحوادث أو الاضطرابات الصغيرة، ويؤدّي ذلك إلى تضخيم التكتيكات النفسية للعدو، فتوجد مناخًا من الخوف أو عدم اليقين.

7. إهمال تدريب المرونة النفسية، بشكل يجعل المستهدفين عرضة للتلاعب النفسي. ويُفقدهم المفتاح الأساس لمقاومة محاولات العدو لكسر الروح المعنوية. ما يزيد الاستجابات للخوف والقلق والتوتّر.

8. الاستخفاف بقوّة الدعاية الإعلامية، فيضخّم عن غير قصد الدعاية المعادية، أو يحجب امتصاص الرسائل السلبية، ما يعزّز أهداف الخصم.

9. الافتقار إلى الروايات المضادة، ما يجعل من السهل التأثير على التصوّرات وعلى الآراء داخل المجتمع.

10. السماح بالعزلة الاجتماعية والتفتت، وهي أخطاء محتملة، يمكن مواجهتها من خلال اتخاذ خطوات استباقية لبناء الثقة، وتعزيز الوحدة، وتطوير استراتيجية مضادة قويّة ضد التكتيكات النفسية للعدو.

كيف نواجه الحرب النفسية؟

لكلّ منّا دوره في هذه الحرب الشرسة على لبنان ومقاومته، ومن يعتقد أنّه غير مؤثر، فهو لا يعرف أنّ الصمود النفسي للبيئة المستهدفة، هو أحد العوامل الجوهرية للإنتصار على العدو، من خلال الثبات والتماسك والدعم والتكاتف والتكافل وسواها من التجلّيات، وذلك لا يتحقّق إلا عبر الحد من تأثير الحرب النفسية.

وتشرح شمس الدين، فيما يلي أبرز الخطوات الملموسة التي يمكن أن تساعد في الحد من تأثير الحرب النفسية وحماية الروح المعنوية وتماسك المقاومة وهي تتمحور حول:

1. إنشاء قنوات معلومات واضحة وموثوقة تصل إلى جميع أفراد المجتمع، للحصول على المعلومات الدقيقة، وخاصة في أوقات الأزمات.

2. تعزيز محو الأمية الإعلامية والتفكير النقدي، عبر تقديم ورش عمل أو حملات توعية تركّز على التعرّف على الدعاية والتحقّق من الأخبار، وفهم كيفية انتشار المعلومات المضلّلة.

3. تعزيز الروابط المجتمعية وشبكات الدعم، من خلال تنظيم فعاليات بناء المجتمع وتشجيع المناقشات المفتوحة التي تعزّز القيم المشتركة والوحدة.

4. تطوير السرديات المضادة وتعزيز الأمل والرسائل الإيجابية، عبر مشاركة ونشر قصص الترابط والانتصارات الصغيرة، يساعد هذا الأمر في بناء الروح المعنوية وتعزيز عزم المجتمع.

5. تشجيع المرونة النفسية ودعم الصحة النفسية، من خلال إنشاء مساحات آمنة للتحدّث بصراحة عن مخاوف الناس وقلقهم، والتدريب على إدارة الأمور والتحكّم في آليات التأقلم .

6. تعزيز الوحدة بين مجموعات المجتمع المتنوّعة، الاجتماعية والدينية كما السياسية، وإظهار الدعم لبعضهم البعض علنًا.

7. مراقبة وسائل الإعلام المعادية وأنماط الرسائل، عبر تتبّع روايات العدو وتحديد الموضوعات المشتركة أو المحفّزات العاطفية التي يستغلونها. والعمل على إعداد رسائل مضادة تُعالج هذه النقاط المحدّدة بشكل مباشر.

8. تمكين قادة المجتمع والمؤثّرين من التواصل مع أفراد المجتمع، وتزويدهم بالمعلومات المحدّثة والدقيقة، ليتمكّنوا من نقل رسائل واضحة تدحض بسرعة الشائعات الناشئة.

9. استخدام الرمزية والمظاهرات العامّة للقوّة، من خلال تنظيم أحداث رمزية تسلّط الضوء على الهوية المشتركة بين الجماعات.

10. تعزيز الشفافية والمساءلة داخل حركة المقاومة، أمر يعزّز الثقة، ويقلّل من قابلية التعرّض للدعاية التي تهدف إلى تشويه السمعة.

11. التكيّف مع التكتيكات المتغيّرة وتفعيل المرونة، إجراء يوجب تقييمات منتظمة لمعنويات المجتمع وتكييف مبادرات المرونة حسب الحاجة.

12. يمكن خلال الجمع بين هذه الاستراتيجيات، يمكن لبيئة المقاومة أن تعزّز مجتمعًا مرنًا ومطلعًا جيدًا وأقل عرضة للتلاعب النفسي وأفضل تجهيزًا للوقوف متحدين.

البيئة الحاضنة تقاوم الحرب النفسية

ختمت شمس الدين، أنّ " العدو الصهيوني يستخدم كل هذه الأدوات معنا اليوم، كونها تنطبق على موضوع الشرخ الإجتماعي، بثّ الشائعات، تضخيم الأمور التي لها علاقة بإثارة الذعر والقلق والخوف، وإنّما بالمقابل، فإنّ البيئة الحاضنة للمقاومة في لبنان تعمل على مساندة العمل المقاوم، وردّة فعلها إيجابية اتجاه المقاومة، وهذا عكس ما هدف إليه العدو الصهيوني، وهذا ما تجلّى عند الأطفال والشباب والكبار ، وحتى عند الذين هجّروا قسرا من بيوتهم من دون مال أو أغراض خاصة، ولغاية الآن البيئة الحاضنة مقاومة للحرب النفسية، ولكن علينا أن نكون دائما واعين، كي لا نقع بالشرك الذي يعمل عليه العدو عبر أكثر من وسيلة إعلامية، خاصة الحرب الإعلامية على "السوشيال ميديا" حيث كل الوسائل متاحة، وكذلك بالنسبة للقنوات الإعلامية التقليدية". 

الأكثر قراءة

العلويّون ضحايا العلويين