اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


بنيامين نتنياهو لن يكترث لتوسلات أي كان لوقف النار. كل أدعيتنا وصلواتنا لم تصل حتى الآن الى السماء، كيف لها أن تصل الى قيساريا (الصواريخ فقط تصل الى هناك). انها فرصته التوراتية لاعادة لبنان، كنموذج مضاد لثقافة الغيتو ولثقافة الكهوف، الى العصر الحجري وان كانت الأوليغارشيا قد أعادتنا الى ما قبل العصر الحجري.

كنت أود أن أطرح على السادة الايرانيين ـ اذا كانوا يريدون فعلاً اخراجنا من هذه المقبرة، وحيث آلهة القرن آلهة الجحيم ـ وهم البارعون في صناعة المقايضات على أنواعها، فكرة ابلاغ "الاسرائيليين" عبر الأميركيين، الذين يريدون لحربهم أن تبقى في حدودها الراهنة، بالتراجع عن ضربتهم مقابل وقف النار في لبنان، لتكون هذه هدية العمر للبنانيين الذين دفعوا الكثير من الدم والكثير من الخراب ثمناً لصداقتهم...

هذه الصداقة لمن يتذكر، لم تنشأ عندما افتتنت الأمبراطورية ثريا بوسامة الرئيس كميل شمعون لدى زيارتها لبنان، بصحبة الشاه محمد رضا بهلوي في الخمسينات من القرن الفائت. ولكن عندما تخلى العرب عنا (ولم نكن نحن ولن نكون من يتخلى عنهم) بعد الاجتياح "الاسرائيلي" في حزيران 1982، وهم الذي أرغمونا على تسليم مفاتيح الجنوب، بل ومفاتيح لبنان لياسر عرفات، ليسلمها الى آرييل شارون، وكانت سنوات التنكيل والقتل والقهر، قبل أن تدفعهم المقاومة وبمساعدة ايران وسوريا الى خارج أرضنا، بل والى الغيبوبة.

لكنني فوجئت بالرئيس الايراني مسعود بزشكيان، وبالكثير من الامتنان، يصرح بأن "وقف النار قد يؤثر في ردنا على "اسرائيل"، وهو الرد الذي وصفه المتحدث باسم الحرس الثوري بكونه "يفوق التصور"، ما يوحي بأن ليل "تل أبيب" لن يقل هولاً عن ليل هيروشيما. هل تراني بالغت في تفسير هذا الكلام؟

عسى أن يجد ذلك الطرح صدى لدى زعيم "الليكود"، الذي من المفترض أن يمثل أمام المحكمة في 11 كانون الأول المقبل بدعوى أمنية حساسة. ولكن ألا يراهن على أن تحصل الضربة، ليحقق حلمه في تقويض نظام آيات الله بالقنبلة النووية، التي تضج في رؤوس "حاخامات" الائتلاف؟

لا نتوقع أي خطوة وفي أي اتجاه، قبل أن تقفل صناديق الاقتراع، وتظهر النتائج التي تحدد من يكون رجل (أو امرأة) البيت الأبيض، لكأن الانتخابات الرئاسية الأميركية تجري على الأرض اللبنانية، بعدما قدم لنا مسعد بولس، منسق الشؤون العربية في حملة دونالد ترامب، صورة وردية له، لكأنه يعشق لبنان واللبنانيين أكثر مما يعشق "اسرائيل" و"الاسرائيليين". هذا كلام على طريقة الزجل السياسي. لنتذكر أن نتنياهو أنشأ عام 2019 مستوطنة في مرتفعات الجولان السورية أطلق عليها اسم Trump Heights أي "مرتفعات ترامب" لاعترافه بسيادة "اسرائيل" على تلك المرتفعات.

بولس وعدنا بالمنّ والسلوى. لن تكون هناك حرب ، لا قرع للطبول، قرع الطناجر يكفي على رؤوس أولياء أمرنا، لاستئناف دومينو التطبيع الذي يؤكد ترامب أنه، في حال فوزه، سيمضي به الى سوريا ولبنان. هكذا من دون نيران أو دماء. ليس فقط لأن كل الرؤوس بملفاتها الصارخة بين يديه، وانما أيضاً لا اله في الشرق الأوسط سوى الاله الأميركي.

اعتدنا أن تكون الصلوات والأدعية الى البيت الأبيض، بعدما دخلت مكبرات الصوت في طقوسنا المقدسة، لننتقل من صورة الله الى صور الأئمة، باعتبار أن ثقافة الغيب تقودنا الى الجنة. التكنولوجيا تجرنا الى جهنم...

أعصابنا اليوم مشدودة الى أوراق الاقتراع في أميركا، وان كان الفارق بين كامالا هاريس ودونالد ترامب كما السكين في الخاصرة اليمنى أو في الخاصرة اليسرى. بمعنى آخر، ثمة من يعمل على تدجيننا بالنيران، وثمة من يبغي تدجيننا بأن نطاطئ رؤوسنا عند قبر راحيل.

"الاسرائيليون" يقولون "لتكن آخر الحروب في لبنان" بتكبيله بالسلاسل. لم يعودوا يقبلون بهدنة رودس (1949)، وهي التي تكرّس الموازاة على جانبي الحدود. كما في النص التوراتي "سلام الذئب والحمل" (الشعار الذي كان يرفعه "شهود يهوه"). ولكن ألا يوجد على أرض الجنوب من يخلع أنياب الذئب؟

لبنان أمام اختبار تاريخي. لا شيء يقفل أبواب الجحيم سوى أن يشعر "الاسرائيليون" أنهم ينزلقون أكثر فأكثر الى الجحيم...

الأكثر قراءة

من الكهوف الى الملاهي الليلية