اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


تعتبر القهوة من أكثر المشروبات استهلاكًا حول العالم، ويُعرف عنها فوائدها العديدة للصحة، بدءًا من تحسين التركيز وصولًا إلى تقليل مخاطر بعض الأمراض المزمنة. ومن بين الفوائد التي أُجريت عليها دراسات مكثفة، علاقتها بمرض باركنسون، وهو اضطراب عصبي يؤثر على الحركة ويسبب اهتزازات وتصلبًا وبطئًا في الحركة. فهل يمكن أن يكون للقهوة دور في تقليل خطر الإصابة بهذا المرض أو حتى تخفيف أعراضه؟

القهوة غنية بمادة الكافيين، وهو منبه طبيعي يؤثر في الجهاز العصبي المركزي. يعمل الكافيين على حجب مستقبلات الأدينوزين في الدماغ، مما يزيد من إفراز الدوبامين، وهو الناقل العصبي الذي يؤدي دورًا رئيسيًا في التحكم في الحركة والمزاج. ومن المعروف أن مرض باركنسون يرتبط بانخفاض مستويات الدوبامين نتيجة تدهور الخلايا العصبية المنتجة له في الدماغ.

دراسات متعددة أشارت إلى أن الأشخاص الذين يتناولون القهوة بانتظام لديهم معدل إصابة أقل بمرض باركنسون مقارنة بغيرهم. وهذا يشير إلى أن الكافيين قد يكون له تأثير وقائي ضد تطور المرض، ولكن هل هذا يعني أنه يمكن استخدام القهوة كعلاج؟

بينما تشير الأبحاث إلى أن استهلاك الكافيين قد يقلل من خطر الإصابة بباركنسون، إلا أن دوره في تخفيف الأعراض لدى المرضى الذين تم تشخيصهم بالفعل لا يزال موضع دراسة ونقاش علمي. فقد أظهرت بعض الدراسات أن الكافيين يمكن أن يساعد في تحسين بعض الأعراض الحركية، مثل تباطؤ الحركة وصعوبة بدء الأنشطة الحركية، وهي من المشكلات الشائعة لدى مرضى باركنسون. يُعتقد أن ذلك يعود إلى تأثير الكافيين على مستقبلات الأدينوزين في الدماغ، والتي تؤدي دورًا في تنظيم إنتاج الدوبامين، وهو الناقل العصبي الذي يفقده المرضى تدريجيًا.

لكن رغم هذه الفوائد المحتملة، لم تظهر الأبحاث نتائج حاسمة بشأن تأثير الكافيين على الأعراض الأخرى المرتبطة بالمرض، مثل الرعشة، وتصلب العضلات، واضطرابات التوازن. هذه الأعراض أكثر تعقيدًا من مجرد نقص الدوبامين، حيث تتأثر بعدة عوامل أخرى، مثل الالتهابات العصبية وتراكم البروتينات غير الطبيعية في الدماغ. لذا، فإن الكافيين قد لا يكون فعالًا بمفرده في تحسين جميع جوانب المرض.

من ناحية أخرى، لا يقتصر الاهتمام العلمي على الكافيين فقط، بل يتم حاليًا دراسة تأثير المركبات الأخرى الموجودة في القهوة، مثل الأحماض الفينولية ومضادات الأكسدة، في حماية الخلايا العصبية من التلف. بعض الأبحاث تشير إلى أن هذه المركبات قد تساعد في تقليل الإجهاد التأكسدي والالتهابات في الدماغ، وهما عاملان رئيسيان في تفاقم مرض باركنسون. كما يتم البحث في إمكانية تطوير علاجات تعتمد على هذه المركبات، سواء كمكملات غذائية أو كأدوية مستقبلية يمكن أن تبطئ من تقدم المرض.

ورغم الفوائد المحتملة للقهوة في تقليل خطر باركنسون ودعم صحة الدماغ، فإن الإفراط في استهلاكها قد يكون سيفًا ذا حدين. فجرعات عالية من الكافيين قد تؤدي إلى اضطرابات النوم، وزيادة معدل ضربات القلب، وارتفاع ضغط الدم، وحتى القلق والتوتر العصبي، وهي أمور قد تكون مزعجة بشكل خاص لمرضى باركنسون الذين يعانون بالفعل من اضطرابات النوم والقلق. لذلك، ينصح الأطباء والخبراء بالحفاظ على توازن صحي في استهلاك القهوة، بحيث لا تتجاوز الجرعة اليومية الموصى بها من الكافيين (حوالى ٣٠٠-٤٠٠ ملغ يوميًا، أي ما يعادل ٣-٤ أكواب من القهوة)، لضمان الحصول على فوائدها دون التعرض لآثارها الجانبية المحتملة.

أخيراً، تشير الدراسات إلى وجود علاقة إيجابية بين استهلاك القهوة وانخفاض خطر الإصابة بمرض باركنسون، ويرجع ذلك إلى تأثير الكافيين على الدوبامين والجهاز العصبي. ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة لمزيد من الأبحاث لفهم آلية هذا التأثير بشكل أفضل ومعرفة ما إذا كان يمكن استخدام القهوة أو مكوناتها كعلاج فعال لهذا المرض. في النهاية، يظل الاعتدال في استهلاك القهوة هو الخيار الأمثل للاستفادة من فوائدها الصحية المحتملة دون التعرض لمخاطرها.

الأكثر قراءة

التصعيد «الإسرائيلي» مُستمرّ... والرئيس عون يُواجه «ضغوط السلاح» بالحوار بيروت بلا ضامن للشراكة... وفي زغرتا وطرابلس تحالفات تُشعل المعركة