اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب



 خطيئة أهل الجنوب أنهم ثاروا ضد الاحتلال. كسياديين، كان يفترض بهم أن ينتظروا من الدولة التي اتخذت شعاراً فلسفياً واستراتيجياً لها "قوة لبنان في ضعفه"، دحره بالوسائل الديبلوماسية. هكذا فعل العرب في قمة بيروت. تنفيذ قرارات مجلس الأمن 242 (1967 )، و338 (1973 ) و425 (1978 ) بالقفازات الحريرية. الايدي الناعمة في أشداق الذئاب.

 وكان يفترض بهم ترك مهمة التحرير لياسر عرفات، الذي استخدم دماءهم وأرضهم ورقة للمراوغة في أروقة العار، وأن ينثروا الورود على دبابات آرييل شارون، وهي تهدم البيوت على أهلها. في هذه الحال يصبحون سياديين في نظر وزير يشغل حقيبة "سوبرسيادية" (المصطلح الذي ينطوي على أقصى حالات الهرطقة الدستورية). على الشاشة، وزع معاليه اللبنانيين بين سياديين ولا سياديين، المقاومون لا سياديون.

 الفرنسيون قطعوا رأس شارل ديغول بالمقصلة، التي قطع بها رأس الملك لويس السادس عشر وزوجته ماري أنطوانت، لأنه قاد بلاده ضد الاحتلال النازي. البريطانيون عاقبوا في صناديق الاقتراع ونستون تشرشل، لأنه قال "سأجعل الفوهرر يجثو أمام أقدامكم". الفيتناميون نبشوا قبر هوشي منه، لأنه هزم بأحذية القش أعتى قوة في التاريخ...

 أي مقاومة في العالم لم تعتمد على جهة، أو جهات خارجية لاجتثاث الغزاة. "الاسرائيليون" يا معالي الوزير السيادي، جاؤوا الى فلسطين على ظهورالبريطانيين. للتذكير، مرة تلو المرة، أنهم اجتاحوا لبنان عام 1982 لتدمير الآلة العسكرية لمنظمة التحرير. هذا ما حصل، ولكن ليجثموا على صدور أهل الجنوب بحواجز الذل، وبالمعتقلات النازية، وبالقتل المنهجي لكل من يكتب "اخرجوا".. على حائط.

 بطبيعة الحال، كانوا يتمنون لو وقف العرب الى جانبهم في الخندق أو في الموقف. الفقهاء، وأغلبهم من قهرمات البلاط، ما زالوا يحثوننا وبمكبرات الصوت على انتظار يوم القيامة، آنذاك القصاص الكبير. حتى تلك الساعة البقاء تحت الأقدام الهمجية، والغوص أكثر فأكثر في الوحول الديلبوماسية. بكل معنى الكلمة لعبة القبائل (داحس والغبراء) في مقابل لعبة الأمم !

 ندرك مدى الاختلال المروع في موازين القوى. ولكن هل كان هناك توازن بين قوة الجنرال غياب وقوة الجنرال نورستاد في فيتنام ؟ وهل كان رجال الكهوف في افغانستان بجبروت رجال ناطحات السحاب في أميركا. بكل تلك الموارد البشرية والطبيعية الهائلة، هل للعرب الذين يستوردون حتى بوابير الكاز موطئ قدم في القرن؟ لا سيادة..

 ثم نتحدث عن السيادة في لبنان، حين لا يمكن لأي دركي الدخول الى أي من مخيمات اللاجئين (وهم أشقاؤنا)، حتى لا تنفجر الحكومات العربية في وجهنا، وحين لا يمكن أن نزيل أي مخيم للنازحين (وهم أيضاً أشقاؤنا) من مكانه، خشية أن يثور علينا المجتمع الدولي. لا ندري اذا كان معالي الوزير "السوبرسيادي" قد تساءل حول تداعيات تفكيك سوريا على الخارطة اللبنانية ؟ النوم على أبواب الأباطرة هو النوم على أبواب الجحيم.

 لنتصور أنه قيّض لأهل الشمال، أو لأهل الجبل، أو لأهل البقاع أن يولدوا عند الحدود مع "اسرائيل"، ويعانون كل تلك المعاناة، هل كانوا يطأطئون رؤوسهم لذلك النوع من البرابرة ؟ منذ عام 1948 وحتى الآن، الجنوبيون في صراع البقاء أو اللابقاء.

 الآن، وقد انضوينا تحت مظلة أخرى، وتحت مطرقة أخرى، باتت لدينا حكومة بين أعضائها بعض الأدمغة الاستثنائية. الشعار اياه "الاصلاح والانقاذ". الكل يتحدثون عن الاصلاح والانقاذ بلغة الأرقام، غالباً بمنطق الشركة لا بمنطق الدولة. لبنان، أيها الرئيس جوزف عون الذي نثق بفاعليته وبنزاهته، ويا أيها الرئيس نواف سلام الذي تعرّفنا على أفكارك من خلال مؤلفاتك، لبنان الذي يحتاج الى نظريات آدم سميث وملتون فيلدمان، يحتاج أكثر الى بلورة ديناميكية للمفهوم السوسيولوجي للدولة كما للمجتمع، حين لا يكون هناك لا مفهوم للدولة (الضائعة) ولا مفهوم للمجتمع المشتت.

 لبنان في حالة رهيبة من التصدع البنيوي، ان على المستوى السياسي أو على المستوى الطائفي. الضجيج لا يتوقف عند هز حجارة الهيكل. ثمة ارتهان علني للقوى الخارجية على أنواعها. عبثاً البحث عن أزماتنا في هذا البلاط أو ذاك. كونراد اديناور قال في برلين وقد تحولت الى أنقاض "الموتى يستحقون الصلاة أما أنتم فتستحقون الحياة. "نحن، وعلى شاكلة العرب، نقاتل ونقتل بعضنا البعض بعظام موتانا.

 حين شاهدنا فولوديمير زيلينسكي بين يدي دونالد ترامب (تماماً كما الدجاجة بين مخالب الصقر)، تساءلنا للتو، والقادة العرب على وشك عقد قمة "تاريخية" في القاهرة، كيف ينظر الرئيس الأميركي الى هؤلاء القادة ؟ ندرك جيداً ما حالنا، وما حال عروشنا. من سنوات حذر الفيلسوف الفرنسي ادغار موران من النظر الى الرؤساء الأميركيين كونهم الآلهة، ملاحظاً كيف أن آلهة الاغريق والرومان ذهبوا كلهم الى الجحيم، معتبراً أن أولئك الرؤساء بسياساتهم العمياء، سينتهون كما الآلهة الآخرين.

 مرة واحدة، لتكن القمة تاريخية فعلاً. لا بلغة بديع الزمان الهمذاني، وانما بلغة مقاتل في غزة قال لرفاقه وهو يحتضر "بندقيتي باقية معكم على قيد الحياة"، والا أصابكم وأصابنا ما حدث لفولوديمير زيلينسكي، وغيره وغيره...

الأكثر قراءة

عون في الرياض اليوم... ترقّب لاختراق كبير نتنياهو يستخدم سلاح التجويع في غزة خلال رمضان حزب الله للحكومة: ننتظر الافعال لا الاقوال