اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


"شرعية أي سلطة في لبنان، لبنان الكيان والوطن والدولة، هي في أن نكون معاً، وحدتنا هي أغلى ما نملك وأعظم ما نملك هي قوتنا وحصانتنا ومنعتنا وقدرتنا"، كلمات من القصر الجمهوري أطلقها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون خلال إفطار القصر منذ أيام مؤكدا أن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن.

يشار الى أن الوحدة الوطنية هي مفهوم يتألف من كلمتين هما الوِحدة، والتي تعني تجميع الأشياء المتفرقة والمتباعدة في نفس المكان، وأما الوطنية فالمقصود بها انتماء الإنسان إلى دولة معينة يحمل جنسيتها ويتكلم لغتها ويدين لها بالولاء، على اعتبار أن الدولة مجموعة من الناس تعيش وتستقر في إقليم محدد وتخضع لحكومة منظمة، فأساس الوِحدة الوطنية هو الإنسان الذي يعيش على أراضي الوطن، والذي ارتبط به تاريخيا واجتماعيا وسياسيا، والوحدة الوطنية من أهم ركائز وأسس تطور الوطن وتقدمه، وهي دليل أيضا على التلاحم والتعاضد بين أبناء الشعب الواحد من تاريخ الآباء والأجداد.

كثيراً ما نسمع عبارة الوحدة الوطنية تتردد على ألسنة السياسيين في معرض الحديث عن الحالة الاجتماعية في البلاد، فمتى ما توفرت تلك الحالة الإيجابية في المجتمع فهذا يعني أن البلاد في حالة مستقرة سياسيا واجتماعيا، وإن وجود ما يسيء إلى الوحدة الوطنية في بلد من البلدان من أفعال أو أقوال فهذا يهدد تلك الحالة الإيجابية وربما أدى إلى كثير من الفتن والمشاكل بين مكونات المجتمع، وفي لبنان يعد موضوع المواطنة أو الوطنية موضوع مأزوم لازم هذا البلد منذ نشأته، وأصبحت الطائفية القاعدة الثابتة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وبلغ تغلغلها في عمق الوعي الجمعي اللبناني إلى أن أصبحت الصابغ الأساسي لهوية الفرد ولوعيه حول المجتمع والحياة والأرض والوطن، فالطائفية بالنسبة للفرد هي الوطن والأولى بالولاء والتبعية، وبات مفهوم الدولة هو ما يتم تقديمه للطائفة التي ينتمي لها الفرد من مكاسب وامتيازات، فأصبح اللبناني يعاني حالة مرضية "الطائفية" يندى بها الجبين، فهو يولد طائفيا ويفكر طائفيا ويتصرف طائفيا.

فمنذ إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920 على لسان الجنرال الفرنسي غورو، تم مراعاة الطوائف في تركيبة المجالس، لكن دون اعتماد توزيع المواقع الرئيسية على طوائف محددة، حيث لم يتضمن دستور 1926 نصا يحدد التوزيع الطائفي رغم تضمنه مسألة مراعاة الطوائف في المجالس، لكن الطائفية تغلغلت في المجتمع اللبناني وزادت خلال الحرب المشؤومة التي بدأت في 1975 إلى أن تم توقيع اتفاق الطائف عام 1989 الذي أنهى الحرب حيث أقر اتفاق الطائف المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في المجلس النيابي والحكومة، وموظفي الفئة الأولى لكنه دعا في المقابل إلى ضرورة تشكيل هيئة وطنية تعمل على إنهاء الطائفية، وضرورة انتخاب اعضاء المجلس النيابي الثاني خارج القيد الطائفي، كما نص على إنشاء مجلس شيوخ يمثل الطوائف، لكن هذا المجلس لم يبصر النور بعد، ولم يطبق شيء من بنود الاتفاق على طريق الغاء الطائفية بل على العكس كرس الاتفاق التقاسم الطائفي.

الجدير بالذكر أن الطائفية هي انتماء لطائفة معينة دينية أو اجتماعية ولكن ليست عرقية فمن الممكن ان يجتمع عدد من القوميات في طائفة واحدة بخلاف اوطانهم أو لغاتهم.

تشكل الطائفية في لبنان عائقا حقيقيا في وجه الوحدة الوطنية والاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي، فقد يلجأ بعض اللبنانيين إلى تغيير انتمائهم الطائفي للتأقلم في العيش في مناطق معينة، أو لكسب العمل في بعض الوظائف، وعند أبسط حدث سياسي، كالانتخابات التشريعية والرئاسية أو تشكيل حكومة جديدة تظهر هشاشة التعايش بين الطوائف اللبنانية، لكننا نجد في المقابل الكثير من اللبنانيين يسعون لتجاوز الطائفية وإقصاء سطوة زعماء الطوائف وتأثيرهم على كيان الدولة اللبنانية، حيث شهدت الأعوام الأخيرة حراكا يطالب بإسقاط الطائفية في البلاد، فإلغاء الطائفية لا يكون بحذف النصوص وإنما بإلغائها من النفوس كما قال البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير.

يقف لبنان اليوم على شفير هاويةٍ تهدد كيانه السياسي والاقتصادي كنتيجة لتراكم أزماته وسوء إدارة حكم زعمائه الطائفيين الساعين إلى ديمومة سلطتهم وتنمية مكاسبهم، قبل أي شيء آخر، فهو اليوم يحتاج إلى الوحدة الوطنية أكثر من اي وقت مضى للنهوض به من ظلمات العهود السابقة والعبور به إلى برالامان، مرجع سياسي أكد على أهمية الوحدة الوطنية على صعيد الفرد والمجتمع، حيث "تمنحهم قّوة كبيرة تمكنهم من صد أي عدوان خارجي أو داخلي وتقلل من نسبة المشاكل الداخلية الاجتماعية التي تعاني منها المجتمعات المتفرقة، وتساهم في النهوض بكافة قطاعات الدولة وبالتالي تمهد الطريق نحو مستقبل مشرق لكافة فئات المجتمع، حيث إن الوحدة الوطنية تولد لدى الشخص شعوراً بالانتماء نحو وطنه وأبناء شعبه، وبالتالي تدفعه لأن يخلص في عمله ويطوّر من نفسه وبالتالي ينهض بدولته، و تساهم في نشر السلام فبالوحدة الوطنية تختفي كافّة الشرور، والخلافات، والأحقاد، والعنف، والعنصرية، وتسود أجواء المحبة، والتسامح، والتكاتف، والتآخي، والتعايش"، مشيراً إلى أن تحقيق الوحدة الوطنية يعود بنتائج إيجابية على المجتمع والافراد حيث تسود لغة الحوار.

وأضاف المرجع إلى أن الوحدة الوطنية ترتكز لتحقيقها على عدة أدوار، لخلق النسيج الوطني والمجتمعي المتلاحم "تشمل العناصر الرئيسية الأسرة والدين والمدارس ووسائل الإعلام، حيث تعلم الأسرة الأطفال حب وطنهم، و.يعزز الدين الحب والوحدة بين الناس، وتعلم المدارس القيم الوطنية والهويةـ كما تساعد وسائل الإعلام في توحيد الأمة وتعزيز الروابط الاجتماعية".

لبنان منذ نشأته من أكثر دول الشرق الأوسط تنوعا حيث يعيش فيه نحو 18 طائفة معترف بها، ومشكلة لبنان متجذره لم تظهر بين ليلة وضحاها بل إن لبنان منقسم طائفياً بشكل واضح حيث ظهرت الطائفية فيه منذ عام 1840، فهي السم القاتل للعيش المشترك وهي من ألد أعداء الوحدة الوطنية والعيش المشترك الذي يعد من الثوابت الوطنية والذي لا بديل لنا عنه كعنوان وجودي وبقائي لنا جميعا، فالوحدة الوطنية ضرورية لاحتواء الوطن وتماسكه ويجب أن نعمل جميعا على تعزيزها وتقوية المجتمع من خلال قبول بعضنا البعض واحترام وجهات النظر المختلفة، والتواصل والتعاضد بين أبناء المجتمع الواحد، ونبذ الكراهية والعنصرية، والتعايش بين الأديان، وضمان الحقوق الأساسية لجميع فئات المجتمع، والتسامح والوقوف معاً في الصعاب واستخدام الحوار لمعالجة المشكلات، مما ينعكس إيجاباً على التنمية الوطنية وتحقيق الرفاهية للجميع.

الأكثر قراءة

ترقب لمزيد من الضغوط الأميركيّة... أورتاغوس تنتقد الجيش؟! القوانين الانتخابيّة الى «مقبرة اللجان»... والبلديّات في أيار خطة أمنيّة لطرابلس وعكار... ووزير الدفاع في دمشق غداً