اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


اذا كان الاعلان المفاجىء للرئيس الاميركي دونالد ترامب عن بدء المفاوضات مع طهران يوم السبت المقبل، قد خيب آمال رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، الذي يرغب في جر واشنطن لتنفيذ ضربات مشتركة أميركية ــ "إسرائيلية" ضد المنشآت النووية والحيوية الإيراني، فان هذا الاعلان قد نزل كالصاعقة على رؤوس حلفاء الولايات المتحدة في لبنان، واعاد احياء اسوأ الكوابيس لديهم، بان يتم الاتفاق على ما هو ابعد من الاتفاق النووي، بما يعيد خلط الاوراق المحلية، ويبعثر كل احلامهم بمواصلة الضغط العالي على حزب الله لنزع سلاحه، وفي انقلاب واضح على مواقفهم السابقة، حيث كانوا يأملون خلال السنوات الماضية ان يحصل تفاوض على ما يسمونه "اذرع" ايران في المنطقة، فانهم اليوم يراهنون على موقف اميركي صلب يبعد هذا الملف عن طاولة الحوار، باعتبار ان طهران خسرت اصلا هذا الملف، ولا شيء تفاوض عليه، ولا بد من مواصلة استراتيجية الاملاءات الاميركية، لفكفكة ما تبقى من مكامن قوة لدى حزب الله.

وعلى الرغم من عدم الاتساق بين الموقفين الإيراني والأميركي حول طبيعة محادثات عمان ومضمونها، إلا أنها ستجرى بالفعل على عكس ما أراده هؤلاء، الذين يفضلون أن تصطدم الولايات المتحدة بإيران، وتدمّر مشروعها النووي، بدلًا من فتح مفاوضات مباشرة قد تنتهي برفع العقوبات وتعزيز الاقتصاد الإيراني. وما يزيد من قلق حلفاء واشنطن، الاعلان أن ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، سوف يترأس الوفد الأميركي إلى مفاوضات مع إيران وليس وزير الخارجية، وهو ما يشير بوضوح الى الارتباط بين ملفات المنطقة المختلفة التي يتولاها ويتكوف، أكثر مما يفعل وزير الخارجية الأميركي نفسه.

هذا المشهد ينعكس توترا لدى هؤلاء، وفي مقدمتهم "القوات اللبنانية"، باعتبارها "رأس حربة" واشنطن في الداخل اللبناني، ولهذا تبدو برأي مصادر سياسية بارزة، مع باقي الحلفاء مستعجلة لفتح ملف نزع السلاح، وهي في سباق مع الوقت خشية ان تتبدل الاولويات الاميركية ويحصل ما يخشاه الجميع، "تفاهم اميركي – ايراني يشمل الساحة اللبنانية، حيث يدرك هؤلاء ان حزب الله لديه وضعية خاصة في طهران، ولا يمكن باي حال من الاحوال التخلي عنه مقابل ملفات او ساحات اخرى"، وهذا يعني حكما تبخر الآمال في اتمام المهمة التي عجزت "اسرائيل" عن القيام بها، اي سحق حزب الله ليس عسكريا فقط وانما سياسيا، خصوصا ان "معراب" لم تهضم بعد كيف نجح "الثنائي الشيعي" في ان يكون شريكا في العهد والحكومة بعد كل الخسائر التي تلقاها.

وهذا ما يفسر اشتداد حملة التهويل الداخلية، بمواكبة من "اللوبي" اللبناني المعادي للمقاومة في واشنطن، من خلال التلويح مجددا بحرب "اسرائيلية" مدمرة، اذا لم يسارع لبنان الى نزع سلاح حزب الله اليوم، وليس غدا. وللمفارقة ان مواقف هؤلاء كانت متقدمة على موقف المبعوثة الاميركية مورغان اورتاغوس، التي خيبت بعضا من آمالهم، عندما لم تضع جدولا زمنيا محددا لاتمام المهمة.
 ووفق المعلومات، سمعت اورتاغوس الكثير من النصائح في "معراب" من رئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع، باعتباره يملك خبرة كبيرة في التعامل مع حزب الله، بان كل يوم زيادة يمنح الحزب القدرة على التعافي، ويدفعه الى التملص من موجبات القرار 1701، وبالتالي يجب ان "يطرق الحديد وهو حامي". طبعا لم يغفل جعجع توجيه انتقادات لاذعة لموقف الرئيس جوزاف عون، واعتبر انه انقلب على البيان الوزاري وخطاب القسم، وبرأيه على واشنطن عدم السماح بان يتم "التذاكي" عليها مجددا، تحت عنوان استراتيجية الدفاع الوطني، معتبرا انها ملهاة لتضييع الوقت التي يجيد حزب الله استغلالها جيدا.

كل هذا الهلع الداخلي، لا يمكن صرفه في اي مكان، تقول اوساط ديبلوماسية، خصوصا ان ايا من تلك الاطراف لا يملك اي تأثير جدي في مجريات الاحداث الضخمة في العالم والمنطقة، وهي تعتبر لاعبا ثانويا تتلقى النتائج ولا تصنع الحدث. ولهذا فان استسهال طرح ملف نزع سلاح حزب الله بخفة، يدل على قصر نظر من قبل من يدعي السيادة، بينما يتلقى الاوامر من موظفة درجة ثالثة في الادارة الاميركية تحولت الى مندوب سام جديد. وفي هذا السياق، يتولى رئيس الجمهورية جوزاف عون مهمة "كبح جماح" هؤلاء، ويتعامل بحكمة عالية مع ملف لا يحتمل اي خطأ.

لكن هل سيكون الملف اللبناني على طاولة البحث الاميركية- الايرانية؟ تعتبر تلك المصادر انه من المبكر الحديث عن الامر الآن، لان كلا الجانبين لديه اولويات ليس في مقدمتها الساحة اللبنانية، التي ستكون حتما ملحقة باي تفاهمات حول اعادة ترتيب المنطقة، واذا كان الطرف الأميركي يريد أن يتم طرح قضايا أخرى كالنفوذ الإيراني في المنطقة، وبرنامج إيران الباليستي للنقاش، فان الطرف الإيراني يعتبر هذه القضايا "خطوطا حمراء"، مفضلا حصر النقاش بالبرنامج النووي.

لكن طهران لا تضع ابدا ملف سلاح حزب الله في "بازار" المقايضة، لانها تعتبر "اسرائيل" المشكلة وليس سلاح المقاومة الذي يعتبر نتيجة لا سببا. وهذا يتطابق مع وجهة نظر حزب الله المنفتح على مناقشة ملف السلاح، من زاوية البحث عن المعادلة الفضلى للحفاظ على قوة لبنان. وهو يتعامل بواقعية ضمن معادلة المصلحة اللبنانية وليس المصلحة "الاسرائيلية". فهل يظن اي عاقل ان الحزب سوف يقبل مناقشة الملف قبل الانسحاب "الاسرائيلي" والتزام العدو بوقف النار؟ وماذا عن المخاطر الاتية من الشرق بعد مجازر الساحل السوري؟ وهل يمكن الرهان على ديبلوماسية لم تنجح في اي شيء حتى الآن؟ في ظل انهيار المنظومة القانونية والاخلاقية في العالم.

في الخلاصة، لا ضمانات بنجاح التفاوض بين طهران وواشنطن، على الرغم من ذلك لا شيء يهدىء من روع اعداء المقاومة في الداخل، وهم يستعجلون طرح ملف السلاح خوفا من المفاجآت. اما اذا حصلت الحرب، فرهان هؤلاء على انهيار ايران، لكن من قال ان الجمهورية الاسلامية ستنهار؟ وماذا لو امتد "الجحيم" الى كل المنطقة؟ وماذا لو...؟ الامور مفتوحة على كل الاحتمالات.

 

الأكثر قراءة

عون يتجاهل الجدول الزمني «وينفّس الاحتقان» حول السلاح قائد الجيش «يضع النقاط على الحروف».. و«الثنائي» مرتاح سباق بين الديبلوماسية والمواجهة وجنبلاط يحذّر من الحرب