لطالما ارتبط الملح في أذهاننا بمذاق الطعام وتعزيز النكهات، ويُعرف بأنه مكوّن أساسي لا غنى عنه في المطبخ. ومع ذلك، فإن ما قد يغيب عن أذهان الكثيرين هو أن الملح ليس مجرد عنصر يؤثر في صحة القلب أو ضغط الدم، بل يمتد تأثيره ليشمل العقل أيضًا، وتحديدًا على وظائف الدماغ والحالة النفسية.
تشير دراسات حديثة إلى أن الإفراط في تناول الصوديوم، المكوّن الأساسي في ملح الطعام، يمكن أن يؤثر سلبًا على الصحة العقلية، خاصة من ناحية التركيز، والذاكرة، والحالة المزاجية. فبينما كانت الأبحاث السابقة تركز على العلاقة بين تناول الملح وارتفاع ضغط الدم، بدأت اليوم تظهر دلائل على وجود علاقة وثيقة بين استهلاك الصوديوم المفرط وتدهور القدرات المعرفية بمرور الوقت.
من الجوانب المفاجئة التي كشفتها الدراسات العلمية، أن تناول كميات كبيرة من الملح قد يضعف تدفق الدم إلى الدماغ. فعندما يزداد تركيز الصوديوم في الدم، يُحدث ذلك خللًا في أداء الأوعية الدموية الصغيرة التي تغذي خلايا الدماغ، مما يؤدي إلى تقليل كمية الأوكسجين والغذاء الواصلين إليه. وهذا النقص، وإن كان طفيفًا أو تدريجيًا، يؤثر بشكل مباشر على الأداء العقلي، مثل القدرة على اتخاذ القرار، وسرعة البديهة، ومعالجة المعلومات.
كما وجد الباحثون أن استهلاك كميات مفرطة من الملح قد يكون مرتبطًا بزيادة فرص الإصابة بأمراض عقلية مثل الاكتئاب والقلق. ويُعتقد أن هذا يعود إلى تأثير الصوديوم على التوازن الكيميائي في الدماغ، خصوصًا المواد الناقلة العصبية مثل السيروتونين والدوبامين، التي تتحكم في الحالة المزاجية والشعور بالسعادة. وبالتالي، فإن اضطراب هذا التوازن يمكن أن يؤدي إلى تقلبات مزاجية مفاجئة أو شعور دائم بالإرهاق والضيق النفسي.
وعلى الجانب الآخر، لا يعني ذلك أن الملح يجب أن يُقصى تمامًا من النظام الغذائي. فالصوديوم عنصر أساسي لا غنى عنه في عمل العديد من وظائف الجسم الحيوية، مثل تنظيم ضغط الدم، والمحافظة على توازن السوائل، ونقل الإشارات العصبية بين الخلايا، فضلًا عن دوره في تقلص العضلات ووظائف القلب. أي خلل في نسبته، سواء بالزيادة أو النقص، قد يؤدي إلى اضطرابات جسدية وعصبية خطيرة.
لكن الخطورة لا تكمن في وجود الملح بحد ذاته، بل في الكميات التي يتم استهلاكها يوميًا، وغالبًا ما تكون خفية وغير محسوسة. فوفقًا لتوصيات منظمة الصحة العالمية، يجب ألا تتجاوز كمية الصوديوم اليومية 2 غرام فقط، وهو ما يعادل حوالي 5 غرامات من ملح الطعام (أي ما يعادل ملعقة صغيرة تقريبًا). إلا أن الإحصاءات تشير إلى أن معظم الناس حول العالم يستهلكون ما يزيد عن هذه الكمية بأضعاف، دون وعي، نتيجة الإفراط في تناول الأطعمة المصنعة، والوجبات السريعة، والمعلبات، والمخبوزات الجاهزة، التي تحتوي على كميات مرتفعة من الصوديوم حتى وإن لم يكن مذاقها مالحًا بشكل واضح.
وهنا تبرز الحاجة إلى إعادة النظر في علاقتنا بالملح، ليس فقط من باب الحفاظ على صحة القلب أو الوقاية من ارتفاع ضغط الدم وأمراض الكلى، بل من منظور أشمل يتعلق بصحة الدماغ وسلامة وظائفه. فالإفراط في تناول الملح لا يؤثر فقط على الجسد، بل ينعكس على القدرة على التفكير، وعلى المزاج العام، وعلى كفاءة الذاكرة والتركيز، وهي كلها مقومات أساسية لجودة الحياة النفسية والعقلية.
وللحد من هذا التأثير السلبي، يمكن اتخاذ خطوات بسيطة لكن فعالة، مثل قراءة ملصقات التغذية على المنتجات الغذائية، واختيار البدائل القليلة الصوديوم وطهي الطعام في المنزل باستخدام كميات محددة من الملح الطبيعي، والاستعانة بالأعشاب والتوابل الصحية لإضفاء النكهة بدلًا من الاعتماد المفرط على الملح. كما يُنصح بتناول الأطعمة الطازجة مثل الخضروات والفواكه، والتي لا تحتوي بطبيعتها على نسب عالية من الصوديوم، بل تسهم في دعم التوازن الغذائي العام.
وفي نهاية المطاف، يتبيّن لنا أن "الملح"، رغم بساطته ووجوده المتكرر في وجباتنا اليومية، قد يكون له تأثيرات خفية وعميقة على صحتنا العقلية لا تقل أهمية عن تأثيره في الصحة الجسدية. لذا فإن الاعتدال في تناوله لا يُعدّ ترفًا غذائيًا، بل خطوة أساسية نحو الحفاظ على صفاء الذهن، وثبات المزاج، وفعالية الوظائف المعرفية التي تشكل جوهر الإنسان في تفكيره وسلوكه وإبداعه.
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
21:52
المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي لفوكس نيوز: نواصل العمل مع "إسرائيل" لضمان استعادة جميع الرهائن.
-
21:52
هيئة البث "الإسرائيلية": الأسير عيدان ألكسندر يرفض مقابلة رئيس الوزراء نتنياهو، والولايات المتحدة تحث "إسرائيل" على الدخول في محادثات مع حماس لإنهاء الحرب.
-
21:22
قاسم: الذين يخدمون اسرائيل بمواقفهم نقول لهم لا تكونوا خداما لاسرائيل وانتم بهذه الطريقة تسيئون الى البلد، خُدام اسرائيل تاريخهم مظلم وفتنتهم دمرت لبنان.
-
21:21
قاسم: لجمهور المقاومة: انتم من يستعيد الارض بثباتكم وانتم مستقبل لبنان الواعد مع مقاومته وجيشه وشعبه التواق الى الاستقلال والحرية، ولا يحاول احد ان يثبط من عزائمنا.
-
21:20
قاسم: اذا تجاوب بعضهم في لبنان مع العدو الاسرائيلي هذا يعني انهم يضعون الاستقرار على طريق الهاوية.
-
21:20
قاسم: فلتلتزم اسرائيل بما عليها في الاتفاق ونحن نتفاهم على المستوى الداخلي على كل التفاصيل ولا مشكلة بيننا وبين رئيس الجمهورية وبيننا وبين المكونات في الداخل.
