اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


من يتابع المواقف الصادرة عن رئيس الجمهورية جوزاف عون حول حصرية السلاح، واعلانه انه يعتزم اقفال هذا الملف هذا العام، وفي الوقت نفسه يستمع الى مواقف مسؤولي حزب الله المتشددة حيال هذا الامر، يظن للوهلة الاولى، ان الطرفين يتحدثان عن ملفين مختلفين، وما يدور بينهما "حوار طرشان"، حيث لا يستمع كلا الطرفين لما يقوله الآخر. في حقيقة الامر الحوار الجدي لم يبدأ بعد، وثمة اتفاق مبدئي على نقطتين جوهريتين: الاولى تتعلق بعدم حصول صدام وحل الاشكالات بالحوار، والثانية حق الدولة في حصرية السلاح، الا ان كيفية الوصول الى النقطة الثانية وترجمتها الى امر واقع، تبدو غير واضحة المعالم حتى الآن، وتحتاج الى نقاش مباشر بين الطرفين، كي يتم وضع قواعد اساسية مشتركة للانطلاق منها نحو الهدف المنشود.

والى ان يبدأ الحوار رسميا، علما ان تبادل "الرسائل" لم يتوقف، ثمة ملاحظات لدى حزب الله تعبر عنها مصادر مطلعة على موقفه بالقول، ان ثمة اشكالية في تعريف طبيعة الملف الذي ستتم مناقشته، فالحزب لا يقر ابدا بان موضوع السلاح هو المشكلة، ولا يمكن التعامل معه على هذا الاساس، فهو نتيجة طبيعية للرد على العدوانية "الاسرائيلية"، وانتفاء الحاجة اليه بالشكل الحالي مربوط بانتفاء السبب، او بالحصول على ضمانات جدية، لا احد قادر على تقديمها الآن..

فما هو المبرر الذي سيضعه الرئيس على طاولة البحث؟ وهل مجرد تهديد الولايات المتحدة و"اسرائيل" بحرب جديدة يعني الاستسلام لرغبتهما؟ وماذا لو تخلى لبنان عن اوراق القوة التي يملكها، وتواصلت العمليات العدائية والاحتلال؟ ماذا ستقول الدولة للبيئة الشيعية التي تتحمل وحدها وزر الاعتداءات اليومية؟ اما القول بان مهمة السلاح الردعية قد انتفت بدليل نتائج الحرب الاخيرة، والتعامل مع حزب الله بانه هزم وعليه التسليم بهذه النتيجة، فهي تتطلب اجوبة من اصحاب هذه النظرية، تتعلق باستعجال الخارج وبعض الداخل "لنزع السلاح"، فاذا كان دون جدوى، والحزب هزم، لماذا اذا تلك الحملة؟

وكذلك ثمة سؤال ملح يحتاج الى اجابة، برأي تلك المصادر، ما هي الاستراتيجية الدفاعية التي ينوي لبنان تبنيها في مواجهة الاستراتيجية "الاسرائيلية"؟ واذا كان البعض لا يقرأ فعليه ان يلتفت الى ان ثمة عقيدة عسكرية "اسرائيلية" عدوانية، تحت عنوان إعادة تشكيل الشرق الأوسط بعد "طوفان الاقصى" في7 تشرين الأول 2023 ، فـ "اسرائيل" لم تعد تكتفي بالجدران الحدودية وأنظمة الإنذار المبكر، بل عادت لتستولي على أراضي الغير، وتبني مناطق عازلة، وتضرب ما تعتقد أنها تهديدات متخيلة في بيروت ودمشق وغزة والضفة.

وتقوم "اسرائيل" من خلال هذه الاستراتيجية بتمزيق الحدود المعترف بها دوليا، وتنتهك سيادة دول الجوار. ففي سوريا، وبعد سقوط النظام ، شنت "اسرائيل" موجات من الغارات الجوية التي دمرت الأصول العسكرية السورية، كما احتلت المنطقة منزوعة السلاح التي تبلغ مساحتها 235 كيلومترا مربعا، قائلا إنها ستبقى "لفترة زمنية غير محدودة"، وذهب نتنياهو إلى حد إعلانه أن 50 كيلومترا أخرى في جنوب سوريا، تمتد تقريبا حتى دمشق، يجب أن تكون جزءا من "منطقة نفوذ" منزوعة السلاح.

في هذا الوقت، تعتدي قوات الاحتلال بشكل شبه يومي على الاراضي اللبنانية وتحتل 7 مواقع على الاقل، ونقلت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية عن مسؤول "إسرائيلي" قوله، ان "هذه المواقع حيوية لضمان عودة المستوطنين إلى منازلهم"، وأضاف معبرا عن وجهة نظر سائدة على نطاق واسع بين الجمهور "الإسرائيلي": "يجب على الجيش "الإسرائيلي" البقاء في لبنان والاستمرار في عدوانيته"، وهو امر اكد عليه بالامس وزير الحرب "الإسرائيلي" إسرائيل كاتس الذي سبق واشار الى انه "هكذا يبدو النصر، الجيش "الإسرائيلي" هنا، والمجتمعات المحلية في الأسفل محمية ونشطة، والقرى اللبنانية على الجانب الآخر تسحق".

في المقابل، اين الخطة الاستراتيجية للدولة اللبنانية؟ وهل تواجه هذه العقيدة العدوانية بتكرار لازمة سحب السلاح من المقاومة؟ وماذا بعد ذلك؟ لا جواب حتى الآن. اما من يتحدث بمنطق سحب الذرائع لعدم حصول حرب جديدة، فان ما يجري في الضفة الغربية خير دليل على بطلان هذه النظرية ، حيث تقدر الأمم المتحدة نزوح نحو 40,000 فلسطيني منذ أن شنّت "إسرائيل" في كانون الثاني الماضي هجوما واسعا على مخيم جنين للاجئين، ثم توسعت لاحقا لتشمل مناطق أخرى مجاورة. وأُخلي مخيم جنين بالكامل تقريبا من سكانه، حيث دُمّرت أجزاء كبيرة منه ، بما في ذلك الطرق الرئيسية والمدارس والمساجد وعشرات المباني. وأقام جيش العدو مواقع استيطانية داخل جنين، وكذلك في مخيمي طولكرم ونور شمس ، الخاضعين اسميا للسلطة الفلسطينية، وذلك لتطهير المناطق عرقيا وإنشاء مراكز عسكرية.

هذا في المضمون، اما في الشكل، فاذا كان حزب الله لا يرغب في مناقشة هذا الملف عبر الاعلام مع رئيس الجمهورية، فان الامر المثير للتساؤلات استفاضة الرئيس في الحديث عن تفاصيل جوهرية تحتاج الى نقاشات عميقة، فهو قبل ان يبدأ الحوار يقفل الباب امام المخارج، لجهة اعلانه عدم استنساخ تجرية "الحشد الشعبي" العراقي، وعدم انشاء فرقة خاصة في الجيش للمقاومين، ولا يتحدث في المقابل عن رؤيته للاستفادة من قوة المقاومة، ولا عن "اليوم التالي" لتسليم السلاح المفترض. لكنه يوحي ان الامور على "السكة"، وهذا الملف في طريقه الى الاقفال، علما ان يدرك جيدا ان ثمة تعقيدات كثيرة وكبيرة، داخلية وخارجية، تتعارض مع هذا الاستنتاج.

في الخلاصة، يدرك الطرفان ان الطريق طويل وشاق. والرئيس يخاطب الخارج قبل الداخل في مواقفه. حزب الله واقعي ويعرف ان ثمة الكثير من المعادلات وموازين القوى قد تغيرت، لكن هذا لا يعني حتما "الانتحار"، لا يمانع حصرية السلاح بيد الدولة، لكن الدولة القوية القادرة على حماية اللبنانيين. وهذه المقولة ليست شعارا، بل خطة متكاملة سيتم عرضها على رئيس الجمهورية عندما يبدأ الحوار رسميا....

الأكثر قراءة

الكوميديا الإستخباراتيّة لتقويض المفاوضات