اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


يندرج انتفاخ الرئة ضمن أكثر أشكال داء الانسداد الرئوي المزمن شيوعًا، وهو مرض تنفسي مزمن يتصف بتدهور بطيء ومتصاعد في وظيفة الرئتين. يتمثل جوهر الإصابة في تضرر الحويصلات الهوائية الدقيقة التي تمثّل وحدة التبادل الغازي في الرئة، حيث تفقد هذه الحويصلات جدرانها الرقيقة ومرونتها الحيوية تدريجيًا. هذا التلف يُفقد الرئتين القدرة على الانكماش الكامل أثناء الزفير، فيظل الهواء محبوسًا داخلها، وهو ما يؤدي إلى تمدد الرئة وصعوبة إخراج ثاني أكسيد الكربون، فيظهر على المريض ضيق واضح في التنفس، لا سيما عند بذل أي مجهود بدني مهما كان بسيطًا.

هذا ويُعزى السبب الرئيسي وراء انتفاخ الرئة إلى التدخين، الذي يُعد العامل الأشد فتكًا بالحويصلات الهوائية. فاستنشاق المواد السامة المتصاعدة من دخان التبغ لا يقتصر تأثيره في تهييج الشعب الهوائية، بل يمتد ليُضعف البنية الدقيقة للرئة ويُسرّع من تآكلها. واللافت أن خطر الإصابة لا ينحصر في المدخنين فقط، بل يشمل أيضًا من يتعرضون بشكل مستمر للدخان السلبي، مما يجعل الأطفال وكبار السن وغير المدخنين فريسة محتملة لهذا المرض الصامت. هذا إلى جانب عوامل بيئية أخرى تساهم في تفاقم الحالة، مثل التعرض المستمر للملوثات الصناعية، الغبار الكيميائي، أو استنشاق الأبخرة السامة في أماكن العمل المغلقة.

وفي بعض الحالات النادرة، لا يكون التدخين هو الجاني الوحيد، إذ تظهر الإصابة نتيجة اضطراب وراثي يُعرف بنقص بروتين "ألفا-1 أنتيتريبسين". هذا البروتين مسؤول عن حماية أنسجة الرئة من التدمير الذاتي الناتج عن الإنزيمات الدفاعية التي تفرزها خلايا الدم البيضاء أثناء استجابتها للالتهابات. وعندما يكون هذا البروتين مفقودًا أو منخفضًا بشدة، تصبح الرئة عرضة لتلف متسارع، حتى لدى أشخاص لم يمارسوا التدخين قط، مما يُسلّط الضوء على أهمية الفحص الجيني المبكر في الحالات العائلية أو غير المفسّرة.

ومع تلف الحويصلات الهوائية، يختلّ توازن التنفس، إذ يصبح نقل الأوكسجين من الرئتين إلى مجرى الدم مهمة عسيرة، ويواجه الجسم صعوبة في التخلص من ثاني أكسيد الكربون. ومع الوقت، تتفاقم الأعراض لتشمل التعب المزمن، السعال المتواصل، الشعور بالضغط في الصدر، وضيق التنفس حتى أثناء الراحة. وفي مراحل أكثر تقدمًا، قد يرافق هذه الأعراض إفراز البلغم بكثافة، وفقدان الوزن، وتغيّر لون الشفاه والأطراف نتيجة انخفاض الأوكسجين.

ورغم غياب علاج نهائي لهذا المرض، تُساهم العلاجات الحالية في كبح تطوّره وتحسين نوعية حياة المريض. تبدأ خطوات العلاج من الإقلاع الكامل عن التدخين، مرورًا بتناول موسعات الشعب الهوائية، وصولًا إلى استخدام أجهزة الأوكسجين المنزلي عند الحاجة، أو اللجوء إلى الجراحة في المراحل المتقدمة لإزالة الأنسجة المتضررة.

في النهاية، يُظهر انتفاخ الرئة كيف يمكن لعادات مثل التدخين أو التعرض المزمن للملوثات أن تُجهز بصمت على الرئتين. الوقاية لا تقتصر على الامتناع عن التدخين فحسب، بل تمتد إلى تعزيز الوعي حول خطورة هذا المرض، والتوجه للفحص المبكر، واتباع أساليب حياة تحافظ على صحة الجهاز التنفسي قدر الإمكان.

الأكثر قراءة

متى المفاوضات بين أميركا وحزب الله؟