اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


في فترة الحمل، تشهد المرأة العديد من التغيرات الفسيولوجية والهرمونية التي تؤثر بشكل مباشر في صحتها وصحة جنينها. من بين هذه التغيرات، يبرز موضوع مستويات الكوليسترول، الذي غالبًا ما يُهمل أو يُفترض أنه غير مقلق خلال الحمل. إلا أن الأبحاث الطبية الحديثة تشير إلى أن اضطراب مستويات الكوليسترول لدى الحوامل يمكن أن يُحدث تداعيات تتجاوز صحة الأم، لتصل إلى نمو الجنين وتطوره.

من المعروف أن الجسم يرفع بشكل طبيعي مستويات الكوليسترول خلال الحمل، خاصة في الثلث الثاني والثالث، وذلك لدعم إنتاج الهرمونات الضرورية لنمو الجنين، مثل البروجسترون والإستروجين. غير أن هذا الارتفاع الطبيعي يجب ألا يتجاوز حدًا معينًا، وإلا تحول إلى خطر يهدد صحة الأم والجنين معًا.

بحسب دراسات أجريت في معاهد طبية مرموقة، فإن ارتفاع الكوليسترول الضار (LDL) بشكل مفرط خلال الحمل قد يرتبط بزيادة احتمال الإصابة بمضاعفات الحمل مثل تسمم الحمل، وارتفاع ضغط الدم الحملي، والولادة المبكرة. هذه الحالات لا تؤثر فقط في الأم، بل قد تنعكس بشكل مباشر على وزن الجنين عند الولادة، ونمو أعضائه الحيوية، لا سيما القلب والدماغ.

يعتمد الجنين  بشكل أساسي على المغذيات التي تصله عبر دم الأم، والكوليسترول ليس استثناءً. فالكوليسترول عنصر حيوي لتكوين الأغشية الخلوية وتطور الجهاز العصبي، إلا أن زيادته بنسب غير طبيعية قد تساهم في برمجة أيضية غير صحية لدى الجنين.

تشير أبحاث طبية إلى أن الأطفال المولودين لأمهات لديهن مستويات مرتفعة جدًا من الكوليسترول خلال الحمل يكونون أكثر عرضة في مراحل لاحقة من الحياة إلى اضطرابات في التمثيل الغذائي، وزيادة احتمال الإصابة بأمراض القلب والسكري في سن مبكرة. كما أظهرت دراسات أن الكوليسترول المرتفع جدًا قد يؤدي إلى تراكم مبكر للدهون في الشرايين لدى الأجنة، وهي حالة تُعرف بـ "تصلب الشرايين الطفولي".

من المفارقات التي يسلّط عليها الضوء الباحثون أن انخفاض الكوليسترول الشديد خلال الحمل ليس بالضرورة أمرًا إيجابيًا، إذ ربطت بعض الدراسات انخفاض الكوليسترول عن المستويات الطبيعية بزيادة احتمالية الولادة المبكرة أو نقص وزن الجنين عند الولادة، مما يؤثر في نموه لاحقًا.

مع تزايد الوعي الطبي، ينصح الأطباء النساء الحوامل، خاصة اللواتي لديهن تاريخ عائلي لأمراض القلب أو ارتفاع الكوليسترول، بإجراء فحوصات دورية لمراقبة الدهون في الدم. ويُفضل اتباع نظام غذائي صحي غني بالألياف وقليل الدهون المشبعة، مع الحفاظ على نشاط بدني معتدل آمن للحمل، واستشارة طبيب مختص قبل تناول أي علاج أو مكمل.

هذا ويبقى التوازن هو المفتاح. فرغم أهمية الكوليسترول في الحمل وتكوّن الجنين، فإن خلله – سواء بالزيادة أو النقص – قد يؤدي إلى تداعيات صحية خطرة على الأم وطفلها. لذا، فإن المتابعة المنتظمة، والوعي، والتغذية السليمة، هي أدوات فعالة لحماية الحمل وضمان بداية صحية لحياة الجنين.

 

الأكثر قراءة

معركة بيروت: منافسة حامية بين 3 لوائح والتشطيب يهدد التمثيل المسيحي ما هو الرهان على زيارة أورتاغوس وماذا تحمل بعد جولة ترامب ؟ زحلة أم المعارك: «القوات» ضد تحالف حزبي وعائلي... والتيار الحر محايد