اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب



يشهد سهل البقاع هذا العام، واحدة من أصعب المواسم الزراعية في تاريخه الحديث. فشح الأمطار، وجفاف الآبار الارتوازية التي تشكل شريان الحياة للمزارعين، ضربا القطاع الزراعي في الصميم، وهددا مصادر رزق آلاف الأسر. ومن ابرز المحاصيل تضررا جراء حالة الجفاف، كان العنب الأجنبي متعدد الأصناف، الذي تراجع إنتاجه وجودته بشكل ملحوظ، ما أثار المخاوف حول مستقبل هذه الزراعة، التي أصبحت خلال السنوات الأخيرة ركيزة اقتصادية مهمة في المنطقة.

هذه الأزمة ليست معزولة عن السياق العام، إذ لا يزال المزارعون يعانون من آثار الحرب السابقة، وما خلّفته من خسائر مادية ونفسية، وجاء الجفاف ليضاعف الأعباء. وفي حين صمد العنب المحلي المعروف بـ"العبيدي" نسبيا ، بفضل اعتماده الجزئي على مياه الأمطار، فإن سعره المتدني وكثرة المعروض منه في الأسواق، قلّصا جدواه الاقتصادية مقارنة بالعنب الأجنبي، الذي يحقق عادةً أسعارا أعلى، لكنه أكثر حساسية لنقص المياه.

"خسارة بخسارة"

المزارع محمد شكر، الذي أمضى سنوات عمره في زراعة الكروم، يصف الوضع الحالي بأنه "مرحلة الشح". ثم يوضح قائلاً: "البقاع معروف بأراضيه الزراعية، لكن الآبار جفت هذا العام، بسبب قلة المتساقطات والثلوج. وان أكبر الآبار التي كانت تعطي حوالي 7 إنش تدنت إلى 3 إنش، وبعضها جف تماما".

ويضيف أن "جميع أصناف العنب تأثرت بالجفاف، رغم محاولات إقامة برك لتجميع المياه، إلا أن هذه البرك نفسها جفت. وبالتزامن مع هذا الشح، كان هناك غياب لعامل اساسي آخر وهو القدرة على شراء أدوية رش وتسميد كروم العنب بسبب الوضع الاقتصادي، الى ان تحولت كافة الجهود التي بذلناها لإنقاذ الموسم إلى "خسارة بخسارة".

ويؤكد أنه لم يتلقَ أي دعم من الدولة أو وزارة الزراعة، مشيرا إلى "أن محاولات تنويع المحاصيل عبر زراعة القمح والعدس باءت بفشل وخسائر كبيرة، بسبب الكارثة المائية التي حلت على المنطقة".

مواسم مختلطة وأسعار متقلبة

من جانبه، يروي المزارع حسين عوده ملاحظاته على التغيرات المناخية الحادة هذا الموسم، فيقول: "شهدنا تغيرا في نمط نمو العنب وكل المزروعات. وعلى الرغم من ري الكروم بشكل يراعي الكارثه المائيه، الا اننا لاحظنا تحول لون أوراق الكروم إلى اللون الأصفر، وهو دليلٌ واضح على عطشه. في المقابل ايضا، هناك أصناف كان من المفترض أن تنضج في تشرين الأول، لكنها نضجت مبكرا، وحتى البطاطا لم يكن موسمها جيدا".

ويشير إلى "تقلبات حادة في الأسعار، إذ يتراوح سعر الكيلو في سوقي الفرزل وقب الياس بين 40 ألف ليرة في يوم، و200 ألف في اليوم التالي. ويضيف: "مع ارتفاع درجات الحرارة وازدياد جفاف الآبار وعدم القدره على الري، بدأ حجم حبات العنب يتقلص ويذبل، وبعملية حسابية سريعة نكشف حجم الخسارة، فان تكلفة الأدوية وحدها تصل إلى 50 سنتا للكيلو. وقد بعنا كيلو العنب بـ40 ألف ليرة لبنانية، فنحن بخسارة كبيرة".

ويحذر من أن "نهاية الموسم ستشهد خسائر مضاعفة إذا استمرت الحرارة بالارتفاع"، منتقدا "غياب دور الدولة في السماح بحفر آبار جديدة أو تقديم أي تعويض". ويختم بالقول: "قمتُ بتركيب نظام طاقة شمسية ثابت لضخ المياه، لكن تغيرات المناخ منعتني من إنتاج الكمية الكافية، فاضطررت مؤخرا لتعديل النظام حتى أتمكن من تأمين الحد الأدنى. لكن الأزمة ستستمر ما لم تتحسن معدلات الأمطار في الشتاء القادم".

"ذاهبون إلى اليباس"

أما المهندس الزراعي محسن الموسوي، فيرسم صورة أكثر شمولية عن الوضع، موضحا أن "ضعف المتساقطات الثلجية والمطرية انعكس سلبا على إنتاجية النبتة وجودتها، وظهرت ثمار ضعيفة وغير مكتملة النضج، في وقت انخفض فيه منسوب الآبار الارتوازية بشكل خطير".

ويقترح حلولا عاجلة للتأقلم مع الأزمة، أبرزها "الانتقال إلى الري بالتنقيط، وتنظيم فترات الري، ومنع استخدام أسلوب "السقي بالجر" المهدِر للمياه". لكنه يحذر من "أن المناخ الحالي سيجعل كلفة إنتاج العنب المحلي أعلى من العنب الأجنبي، ما قد يعيد خلط أوراق السوق". ويختتم بالقول: "نحن أمام واقع مناخي قاسٍ سيؤثر على المحاصيل الزراعية عامة والشجرية خاصة. فالخسائر في الكروم قادمة لا محالة، وإذا استمر الجفاف فنحن ذاهبون إلى مرحلة اليباس الكامل".

الأكثر قراءة

لبنان على حافة خيارات كبرى إستحقاقات ما بعد القرار تفرض إيقاعها المواقف تتباين والإتصالات لا تهدأ