اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

في الوقت الذي لم تتمكّن فيه دول الخارج حتى الآن من إيجاد أي حلّ للأزمة الرئاسية، معوّلة على حصول التوافق الداخلي أولاً على إسم الرئيس لكي تُعطي "مباركتها" له، تتوالى المبادرات الداخلية التي لم تتوصّل أي منها أيضاً الى تأمين التوافق المسيحي على الأقلّ على إسم رئيس الجمهورية المقبل. ومن المبادرات الأخيرة، المبادرة الثانية من قبل النائب المستقلّ غسّان سكاف، الذي يُحاول من خلالها التقريب في وجهات النظر المتباينة، لا سيما بين "التيّار الوطني الحرّ" و"القوّات اللبنانية"، كون أصوات نوّاب كلّ منها، تؤثّر سلباً أو إيجاباً على إسم أي مرشّح للرئاسة.

وإذ يجزم البعض بأنّ التوافق بين "التيّار" و"القوّات" لا يُمكن أن يحصل، لا سيما في الفترة الراهنة، على إسم مرشّح للرئاسة لاعتبارات عدّة، باستثناء توافقهما الضمني على وضع "الفيتو" على وصول مرشّح الثنائي الشيعي الوزير السابق سليمان فرنجية الى قصر بعبدا، تقول مصادر سياسية مطلّعة بأنّه لا خيار أمام لبنان سوى الحوار والتواصل بهدف الوصول الى قواسم، لا بل جوامع مشتركة بين أكبر حزبين مسيحيين إذ بإمكانهما، في حال تحالفهما، تقرير مصير أي مرشّح وإيصاله الى قصر بعبدا. أمّا عدم توافقهما، فيجعل أصوات كلّ منهما مؤثّرة إذا انضمّت الى فريق سياسي يضمّ 45 صوتاً على الأقلّ. ما يعني أنّه بإلإمكان تأمين الـ 65 صوتاً لأحد المرشّحين. علماً بأنّ المطلوب أن يتفقا أولاً على تأمين النصاب القانوني لجلسة الإنتخاب، قبل معرفة الى أي مرشّح سوف تصبّ أصوات كلّ منهما.

وذكّرت المصادر بأنّه عندما انُتخب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، أمّنت كتلة "التنمية والتحرير" النصاب القانوني للجلسة، غير أنّها فضّلت عدم التصويت له، وقد وصل الى قصر بعبدا آنذاك بـ 83 صوتاً. لهذا يُعوّل اليوم على أن يقوم "تكتّل لبنان القوي"، أو "كتلة الجمهورية القويّة" بمثل هذا الأمر، أي بتأمين أحدهما النصاب القانوني لمرشّح لا يؤيّده، فيما يُصوّت ثانيهما للمرشح المطروح، إذ لا حلول أخرى لتمرير الإستحقاق الرئاسي. من هنا، تأتي مبادرة النائب غسّان سكاف الثانية، إذ قام بمبادرة أولى في فترة سابقة هدفت الى التقريب في وجهات نظر الكتل ذات المواقف المتباينة، ليس فقط من انتخاب الرئيس إنمّا من الإستحقاقات الأخرى أيضاً.

وتقول المصادر نفسها بأنّ مبادرة سكاف الحالية تهدف الى اللقاء مع عدد من القوى السياسية، لا سيما تلك التي تُعارض وصول فرنجية الى قصر بعبدا، مثل "التيّار" و"القوّات" والقوى "التغييرية"، بهدف التفاهم من خلاله مع بقية الكتل النيابية على إسم رئيس الجمهورية. غير أنّ المسألة تتوقّف على مواقف الكتل النيابية نفسها، ومدى التقارب فيما بينها، وإمكانية كسر الحواجز القائمة بين مختلف الأطراف. ومن المبكر حالياً الحديث عن الوصول الى توافق ما بين هذه الكتل، لا سيما وأنّه على القوى السياسية المعنية التعامل بجديّة مع هذه المبادرة، فضلاً عن وجود نيّة إيجابية لحلّ الأزمة الرئاسية.

فجميع القوى السياسية، على ما أضافت المصادر، مدعوة اليوم للتفكير بشكل إيجابي فيما يتعلّق بانتخاب رئيس الجمهورية، وعدم البقاء في مكانها، ما يعني ضرورة تقديم بعض التنازلات للتوصّل الى حلّ ما يرضي الجميع. علماً بأنّ التضحيات لا تعني في الوقت نفسه، الذهاب الى اتخاذ مواقف تتعارض مع مواقف الكتل الأساسية، بل إيجاد قواسم مشتركة يُمكن أن توصل الى التوافق على إسم مرشّح ما، وليس الإكتفاء برفض إسم أو أسماء بعض المرشّحين.

وبرأي المصادر، إنّ أي مبادرة داخلية لا يُمكن أن توصل الى نتيجة إيجابية، ما لم يتبدّل مسلك القوى السياسية فيما يتعلّق بعلاقتها مع بعضها البعض، والتوجّه نحو الشراكة في إيجاد الحلّ المناسب للأزمة الرئاسية. من هنا، فإنّ لا شيء يمنع من أن تؤدّي مبادرة سكاف الى حصول تقارب ما بين "التيّار" و"القوّات"، ما دام الطرفان ينطلقان من مبدأ الحفاظ على الموقع الرئاسي ومن الثوابت الوطنية.

وأشارت المصادر عينها، أنّ المسألة لا تتوقّف فقط على مبادرة سكاف، فثمّة مبادرات عدّة في مجلس النوّاب، تجري علناً أو وراء الكواليس، وتطال قوى سياسية معيّنة، بهدف جمع بعض الأطراف وإيجاد حلّ للأزمة الرئاسية. والحوار لا يعني أن يلتزم فريق برأي الفريق الآخر ويسير به، إنّما هو يفتح الباب أمام مناقشة الإختلافات القائمة بين الأفرقاء المسيحيين. كما تجد المصادر بأنّه على المبادرات أن تكون منظّمة أكثر، لكي لا يفهمها كلّ طرف على هواه، ولا تؤدّي بالنتيجة الى ما هو متوخّى منها. وبناء عليه، المهم أن تحصل الإنتخابات الرئاسية في مجلس النوّاب، وأن يكون هناك أكثر من مرشّح، أو مرشّحين متنافسين معلنين على الأقلّ، يفوز من بينهما مَن يحصل على أكبر عدد من أصوات النوّاب.

وعن مبادرة نائب رئيس مجلس النوّاب النائب الياس بو صعب نحو حزب الله، فهي لا تأتي باسم "التيّار الوطني الحرّ" على ما أوضح، بل بصفته الشخصية، وإن كان ليس من المستغرب أن يحصل لقاء بين التيّار والحزب في إطار التشاور على إسم رئيس الجمهورية المقبل.

الأكثر قراءة

طوفان الأجيال في أميركا