اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


 كيف يمكن لأمبراطورية لطالما قلنا انها نتاج تفاعلات فذة بين كل الأجناس، وبين كل الثقافات، والأديان، أن تكون على هذه المستوى من التفاهة، حتى ليبدو أن الفيلسوف الكندي آلان دونو وضع كتابه "نظام التفاهة" لوصف النظام العالمي الذي أرسته الولايات المتحدة، ليحتار بين وصفه بـ "نظام الغوغاء" أو "نظام الرعاع".

 هذه الأمبراطورية التي تعدّت، بتشكيلها السوسيو ـ تاريخي، كل الميتولوجيات المؤسسة للأمبراطوريات الأخرى، لم تتوقف عن استخدام مصطلح "اللاسامية" في توجيه الاتهام الى كل من يعارض السياسة الاسرائيلية (لا الايديولوجيا اليهودية ولا النوع اليهودي)، مع الاشارة الى أن المفكر النمساوي اليهودي اشتين شنيدر هو من استخدم المصطلح للمرة الأولى، عام 1860، ليوضع في التداول اثر نشر الصحافي الألماني ويلهلم مار، عام 1873، كتيّباً بعنوان "انتصار اليهودية على الألمانية".

 المؤرخون اعتبروا أن تسمية "الساميين" تنطبق على سكان شبه الجزيرة العربية، وبلاد الرافدين، اضافة الى بلاد الشام. لكن التوراة أخرجت الكنعانيين، وهم الأصل، من هذه السلالة انتقاماً منهم، والى حد لعنهم. اليهود يقولون انهم من نسل ابراهيم، وابنه اسحاق. والعرب يقولون انهم من نسل ابراهيم، وابنه اسماعيل. وهذا ما استندت اليه ادارة دونالد ترامب لتسويق "صفقة القرن" تحت اسم "ميثاق ابراهيم".

 ولكن من يعرف متى حدث طوفان نوح (منذ 7000 عام أم منذ 115000 عام) ؟ وما اذا كان كلياً أم جزئياً. العلماء المعاصرون ينفون مقولة الطوفان الشامل، استناداً الى المسوحات الجيوفيزيائية التي أجريت حتى الآن. اللافت أن الطوفان لم يرد في كتب الديانات المنزلة فقط. ذكر في المانفتارا ـ سانديا الهندوسية، وفي الديوكاليون الاغريقية وكذلك في الألواح السومرية.

 المسألة سياسية. الحركة الصهيونية استخدمتها كسلاح في وجه كل من يشكك في "الخلفية الالهية" لنشوء الدولة العبرية، أولانتقاد سياسات هذه الدولة. ذروة المكيافيلية السياسية والايديولوجية. شلومو صاند، مؤلف كتاب "اختراع الشعب اليهودي"، وصف ذلك بـ "الهرطقة التاريخية التي تؤذي حتى آذان السلحفاة" !

 صاند هو من قال "في اسرائيل، لكي يكون المرء يهودياً عليه، قبل أي شيء، ألاّ يكون عربياً"، لنتوقف عند قول الناشط الحقوقي البريطاني هيو ماير "اللاسامي كان الشخص الذي يكره اليهود. اليوم، اللاسامي أصبح الشخص الذي يكرهه اليهود". بمنتهى السذاجة نسأل... ولكن من لا يكرهه اليهود؟

 الآن تهمة اللاسامية في ذروتها، مع استنفار عاصف للمؤسسة اليهودية التي أصيبت بالصدمة بسبب ردات الفعل الأميركية، والأوروبية، على الفظاعات التي يرتكبها الاسرائيليون في غزة. لا أحد يتجرأ على الحديث عن ظهور نوع من المكارثية (النيومكارثية)، الأكثر "قذارة" من تلك التي ظهرت في مطلع الخمسينات من القرن الفائت وشملت عدداً هائلاً من الأدمغة في شتى مجالات الابداع.

 بذلك الوجه الجليدي ينظر جو بايدن الى "هيروشيما القرن"، وحيث عشرات آلاف الجثث، وجلّهم من الأطفال والنساء، تحت الأنقاض. أو في العراء، حتى ان الغربان لم تقترب منها. ولكن هل هي "أمبراطورية المسيح"، كما أمل بنيامين فرنكلين أن تكون، أم أمبراطورية هولاكو؟

 كل الضحايا سقطوا بقنابل أميركية. واذا كان أصحاب القلوب الميتة، وهذه هي نظرية ليو شتراوس حول البنية السيكولوجية للأمبراطوريات، لا يكترثون بذلك، وهم الذين توارثوا ثقافة الابادة، يبدو المشهد مختلفاً في الجامعات، كمصانع للأدمغة التي يفترض أن تعيد تشكيل الحياة بما تقتضيه جدلية الحياة.

 أركان اللوبي اليهودي في أقصى حالات الارتباك. كلام عن "طوفان الأجيال" الذي لا بد أن يزلزل القواعد اللاأخلاقية للاستراتيجية الأميركية. الدليل على الارتباك، بل وعلى الضياع، اللجوء الى أساليب القمع التي تنتهجها عادة الأنظمة التوتاليتارية الأكثر وحشية.

 الزلزال الذي بدأ في جامعة هارفارد، ومنها الى جامعة كولومبيا، ومعهد ماساشوشتس للتكنولوجيا، ينتقل الى جامعات أخرى. غداً الى أوروبا، وقد بدأت بالسوربون التي أسسها القديس لويس في القرن الثالث عشر، ليقول السناتور بيرني ساندرز "ذلك الشيء الذي يحدث في أميركا"، متوقعاً تداعيات دراماتيكية على مؤسسة تدار بذهنية الأحصنة الهرمة.

الصدى أشد هولاً في "اسرائيل". المؤرخ ايلان بابيه سأل ما اذا كانت الرؤوس وحدها ستتدحرج؟

الأكثر قراءة

النص الحرفي للمقترح الذي وافقت عليه حماس... اليكم تفاصيله