اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

بين ليلة وضحاها، عاد ملف النازحين السوريين الى الواجهة مجدداً، مما دفع الكثير للتساؤل عن سبب الضجيج في الوقت الحالي، خاصة وأن خطورة وجودهم في لبنان لم تظهر اليوم، فهي كانت بوادرها واضحة من قبل، لكن وقتها تجاهلها البعض، وعَمِل على تفاقمها آخرون، وأثارها البعض الآخر، لكنه لم يستطع فعل شيء حينها، فما الذي حصل الآن حتى أُثيرت هذه القضية بهذا الشكل؟ وما هو سر توقيتها؟

هناك أسباب عدة أوصلت لرؤية المشهد الحالي، بحسب مصادر متايعة للملف، بناء على مستجدات حصلت زادت من خطورة هذه القضية ألا وهي:

١- تبلّغت حكومة تصريف الاعمال بإجراءات أممية، خاصة بوزارة التربية بإلزامها تدريس المنهج اللبناني للنازحين السوريين، والجديد هو إلزامها على تعاقد أساتذة سوريين لكي تبقى على المنح المالية، التي تقدّمها لتأمين مدارس وأساتذة لهم، ما يعني القبول مقابل استمرار الدفع.

٢ - بعد أن طالبت الدولة اللبنانية الأمم المتحدة باللوائح الموجودة عندها للنازحين، بدأ بعض الوزراء بالتدقيق بأعدادهم، فوجدوا أن هناك مَن أتى الى لبنان بعد الحرب من أجل قبض الأموال.

٣- في الأعياد ذهب الى سوريا حوالي ٣٨٠٠٠ نازح وعادوا مجدداً الى لبنان.

٤- بدأت الأجهزة الأمنية تلحظ ارتفاعا بمستوى الجريمة في المناطق التي يتواجد فيها النازحون.

٥- اكتشفت مخابرات الجيش وفرع المعلومات بعض الشبكات الإرهابية، التي يتكوّن أعضاؤها من النازحين السوريين.

٦ - بدأت تظهر الضغوط الإجتماعية في الأماكن المشتركة، وعلى ضوئها تشكلت مجموعات سورية على شكل عصابات، الى درجة حصول إشكالات مع عصابات لبنانية.

٧- المساهمة الفعّالة للنازحين في ترويج المخدرات.

٨- أزمة الإيجارات التي تُواجِه الشعب اللبناني بسبب قدرة النازح على الدفع بالفرش دولار، وعجز الكثير من اللبنانيين أمام ذلك.

٩ - بدأت تظهر حالات من الولادات السورية تُعطى وثيقة ولادة لبنانية، وتسجَّل عند بعض المخاتير المتعاونين معهم تحت عنوان مكتوم القيد، ما يعني بهذه الحالة عدم قدرة هؤلاء على العودة الى بلادهم، باعتبار أنهم غير مسجلين بالوثائق الرسمية السورية، وهذه مقدمة للتوطين.

١٠ - الخلل الديموغرافي الناتج عن عدد الزيجات المتسارع والولادات الذي حصل خلال ١٢ عاما بين النازحين، حتى أن بعضهم بعد أن تزوج وأنجب عددا كبيرا من الأولاد، ذهب الى سوريا ليتزوّج مرة أخرى، وعاد بها الى لبنان.

صحيح أن الأزمة تطال كل لبنان بمختلف مناطقه وطوائفه، تضيف المصادر، إلا أن البيئة المسيحية هي الأكثر تضرراً باعتبارها الساحة التي تفجّرت فيها الأزمات في الفترة الأخيرة، من غياب موقع رئاسة الجمهورية والعجز عن توافق مسيحي في تقديم مرشّح موحّد، مما أعاد الى الذهن المسيحي القلق الوجودي، بسبب تناقص أعدادهم في لبنان. واشارت المصادر الى ان التغيّر الديموغرافي الذي سيُحدثه وجود النازحين سيكون على حسابهم، مروراً بفكرة: صحيح أن المجنسين من الطائفة السُنية، إلا أن الطائفة الشيعية تتعامل باعتبارها حليفة لسوريا، وتمتلك قوة تستطيع الدفاع عن نفسها، وتستند الى دولة إقليمية قوية لديها قدرة على إعادة التوازن، إذا حصل خلل ديموغرافي، بينما المسيحيون يشعرون أنهم تُرِكوا حتى من قِبل الأم الحنون، وصولاً الى شعور المكوّن المسيحي بالخطر والإحباط، مما حوّل قضية النازحين الى مادة للمزايدة الشعبية بين التيارات المسيحية.

فبينما يُذكِّر التيار الوطني الحر أنه أول مَن حذّر من هذا التهديد واتُهم وقتها بالعنصرية، حاول رئيس حزب «القوات» أن يلملم ما تبقى من الجمهور المسيحي، والمزايدة على التيار في التحذير من خطر النازحين ، بمعنى آخر «لو ما كانت شعبوية ما كان تدخل»، وبذلك أصبح مَن يَقف بشكل أصلب بوجه التوطين يُعتبر هو مَن يُدافع عن المسيحيين، مع التأكيد أن الخطر هو على الكيان اللبناني كلّه. والحل يجب أن يكون على عاتق الجميع بالموقف أو وبالفعل.

لكن بما أن هذه الأزمة متداخلة بين الدول الغربية المُصرّة على عدم عودة النازحين كوسيلة ضغط على لبنان وسوريا، من خلال إصرارها على إيقاف المساعدات الدولية لهم إذا عادوا الى بلادهم، والدولتين السورية واللبنانية اللتين يمكنهما إتخاذ إجراءات مناقضة للرغبات الغربية من خلال أمرين:

الأول: جعل العودة أمرا واقعا بمعزل عن طلب المساعدات، وبذلك تضطر الدول الغربية للتعامل مع الأمر الواقع، وهذا ما يجب أن يترافق مع إجراءات سورية، تتضمن الإعفاء من التجنيد الإجباري أو تأجيله، تثبيت الولادات في القيود السورية وإعطاء بطاقات هوية تسهّل العودة، إعطاء أولوية لبناء مجمعات سكنية أو ترميم بعض الأحياء للعودة إليها، ولكن هل للدولة السورية قدرة على إستيعاب هذا العدد من النازحين؟ من هنا يمكن الإستفادة من الإنعطافة الجديدة تجاهها، وتوفير جزء من المال الإستثماري لتأمين وحدات سكنية للنازحين، بعد أن أصبحت سوريا على عتبة التحوّل في العلاقات العربية، بالإضافة الى زيارة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي.

- الثاني: العمل بشكل منظم على ترحيل النازحين ببواخر الى الشواطىء الأوروبية، مثلما فعلت تركيا أو على الأقل غض النظر عنها، والسيناريو الثاني يمكننا أن نقول إنه مُطابق لفكرة وتصوُّر «التيار الوطني الحر» لحل هذه الأزمة والتي يمكن اعتبار أن الرئيس ميشال عون مهّد لها بخطابه في جزين بتحميل أوروبا مسؤولية أزمة النازحين، من خلال الإصرار على بقائهم في لبنان.

أما تحويل هذه الأزمة لقضية مسيحية، تعتبر المصادر انه يمكن ربطها بالتسوية الرئاسية التي تقودها فرنسا والشعور المسيحي بالتخلّي عنهم، فباريس التي نقلت الأجواء السعودية الإيجابية حيال رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية وطلبت من رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة الى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، وكان جوابه الرفض لحرصه على التفاهم الداخلي، فرداً على موقف فرنسا، أثارت القوى المسيحية ملف النازحين بوجه المبادرة الفرنسية، ما يعني أن القوى المسيحية تريد الانتقام من الأوروبيين بترحيل النازحين السوريين الى بلادهم.

لكن بغض النظر عن هواجس البعض، إلا أن أزمة النازحين السوريين تعني كل لبنان، وحلّها مسؤولية تقع على عاتق الجميع، فالمسؤولية الوطنية تقتضي أولاً اتخاذ قرار بالحل الجذري، فهل ستجرؤ الدولة اللبنانية على اتخاذه قبل تنفيذه؟ 

الأكثر قراءة

تراجع كبير لحركة المبيع بسبب ارتفاع الجمارك والتسجيل على السيارات المستعملة جدل ال ٥٠ دولارا بين اصحاب معارض السيارات المستعملة وبين نقابتهم