اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

نستعيد ما قاله لنا وزير فرنسي سابق، وبذلك الحنين الديغولي الى لبنان، "أخشى أن تكون أزمتكم أزمة دولة لا أزمة حكم ولا أزمة نظام"!

في حوارنا معه "هنا في باريس ندرك كيف ينظر الأميركيون الى لبنان. تريدون حلاً للأزمة، وان على عكاز خشبي، عليكم أن تمدوا أيديكم لا بنادقكم الى "اسرائيل"؟ هذا ما يدركه قادتكم، وحتى اذا كنتم في الطريق الى تسوية ما، فهذه التسوية لا يمكن الا أن تكون آنية، وتسقط أمام أي هزة أخرى".

يضيف "لقد ولد لبنان عندنا، وكان يفترض لمجتمعات خلاقة مثل مجتمعاتكم، التطوير الدستوري والسياسي لمفهوم الدولة، لكنكم أبتليتم بذلك الطراز من القادة الذي كرسوا طوائفية الدولة. وهذه هي الآفة الكبرى التي تضع وجودكم دائماً في مهب الاحتمالات"..

يستخدم تعبير Comme convenu أي "كيفما اتفق" في وصف الحالة اللبنانية "التي لا مجال لاعادتها الى ألقها الا بالغاء الطائفية، وهذا يحتاج الى رجال دولة، لا الى باباوات الطوائف. ولا نتصور أن هذا ممكن ما دمتم تدورون حول زعاماتكم بكل موبقاتها، وهي تدور حول الأزمة دون أي محاولة لاختراقها".

ننهي لقاء الدقائق الثلاثين بقوله "حاولوا أن تستفيدوا من الاتفاق السعودي ـ الايراني في وقف التدهور، ما دام الأميركيون يتوجسون من أي انفجار (وحتى من أي اتفاق) في المنطقة"، ليفاجئني بكلمات أخيرة "قضية النازحين السوريين في واشنطن لا في دمشق ولا في بيروت"!

اذاً، يفترض بنا أن نذهب حفاة الى الهيكل، لنزداد يقيناً بأن الأميركيين يمسكون بملف النازحين، وبتنسيق مع "تل أبيب"، ليبقى لبنان على صفيح ساخن، توخياً لتفكيك معادلة توازن الرعب التي أرساها اللبنانيون، وبتضحيات أسطورية، مع القوة التي لا تقهر.

بعيداً عن تفاهات الثقافة السياسية المحلية. لأي "اسرائيل" يفترض أن نمد أيدينا (لا صواريخنا)، وهي الدولة التي توغل أكثر فأكثر في السياسات الهمجية، توخياً لازالة أي وجود للفلسطينيين من أرض فلسطين؟

قضية النازحين لا يمكن الا أن تكون قضية انسانية. هؤلاء هم أهلنا، لكنها باتت في الأجندة الأميركية قضية سياسية، ان بالبعد التكتيكي أو بالبعد الاستراتيجي، ليتكرس ذلك "الستاتيكو المرّ "، الا اذا قيّض لاتفاق بكين أن يكون بتلك الديناميكية التي تساعد على اطلاق عملية الاعمار في سوريا، كسبيل وحيد لجذب النازحين.

اشارة خاطفة الى تلك الآفة السوسيولوجية التي تضرب فئات لا يستهان بها من النازحين، بالتأويل القبلي للنص القرآني، "مثنى أو ثلاث أو رباع"، ثلاث زوجات وعشرون طفلاً في خيمة واحدة، ليدفع الأب، بشخصية المهراجا أو بشخصية شهريار، بأطفاله وحتى من سن السادسة، الى سوق العمل في الكاراجات أو في دكاكين الخضر، اذا لم تتلقفهم تلك العصابات التي توزعهم عند المفترقات أو على الأرصفة للتسول...

كل ما يتلفظ به الساسة اللبنانيون حول هذا الملف لا معنى له، ولا جدوى منه. الوضع المعيشي في سوريا، كنتيجة للحرب أو للحصار، أكثر من أن يكون مأسوياً. الى أين يعود النازحون في هذه الحال ؟

لا مجال للرهان لا على وزرائنا ولا على ساستنا، حتى ولو زاروا دمشق وأقاموا في دمشق. اعادة النازحين الى ديارهم تحتاج الى خطة بمليارات الدولارات. اشد تعقيداً بكثير من أن يحلها "خيال" المسؤولين عندنا، وهم الذين احترفوا مراقصة الكوارث.

هذه مسألة تقتضي مبادرة دولية واقليمية، لا ندري اذا كانت ممكنة في الظروف الراهنة، الا اذا تبنت البلدان العربية الثرية اعادة اعمار سوريا، دون الارتهان لسياسات البيت الأبيض.

هل يقبل الأميركيون بحل أزمة النازحين، وفي السياق حل الأزمة اللبنانية ككل، وهم الذين يعلمون أي نوع من البرابرة يحكمون "اسرائيل" التي يستحيل السلام معها ؟

قد تكون أمامنا فرصة اقليمية، وحتى دولية استثانئية، للخروج من الجلباب الأميركي. لكننا مبعثرون على كل الجبهات، بما في ذلك الجبهة الأميركية. هذه مصيبتنا كدولة طوائفية لا أمل في أن تصبح دولة سوية...