اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب
ثلاث سنوات مرّت على انفجار أو «تفجير» مرفأ بيروت في 4 آب 2020 الذي حوّل العاصمة بيروت في غضون خمس ثوانٍ الى مدينة منكوبة فاحت منها رائحة الدماء، وحفرت وجَعاً عميقاً في القلوب وخلّفت مئات الضحايا الأبرياء وآلاف الجرحى ومئات آلاف العائلات المشرّدة... وما زالت الحقيقة ضائعة، والعدالة لم تتحقّق، والمحاسبة معلّقة.

كأنّ الانفجار حصل البارحة، لكن لا شيء تغيّر... فلا قرار ظنّي موعود صدر مع «تسييس القضاء»، ولا مشتبه فيهم يحاكمون بعد توقيف عدد من الموظّفين بدايةً، ثمّ إطلاق سراحهم لعدم كفاية الأدلة، ولا إجراءات رسمية اتُخذت لتبريد قلوب المتضرّرين والمنكوبين التي ما زالت تنزف ألماً وغضباً وسخطاً... لا بل العكس تتوالى المحاولات لطمس الحقيقة من خلال عرقلة التحقيق واستمرار وضع يدّ المسؤولين على هذا الملف.

أمّا دول الخارج، فما زالت تكتفي بإدانة الكارثة، وبإظهار تعاطفها مع اللبنانيين من خلال بعض المواقف أو إقامة وقفات تضامنية مع الذكرى الثالثة للانفجار، رغم أنّ بعضها معني به بشكل مباشر مع سقوط ضحايا من جنسيات أجنبية وعربية... ولم تُقدّم حتى الساعة، ما لديها من معلومات استخباراتية، وتحقيقات وصور من الأقمار الصناعية لكشف ملابسات جريمة العصر ضدّ الإنسانية. وبدلاً من أن تتهافت هذه الدول لكشف حقيقة أقوى انفجار في العصر، تداعت على التنافس فيما بينها للحصول على موافقة الحكومة على منحها «امتياز» إعادة بناء مرفأ بيروت.

لم ينسَ أحد ما حصل عند الساعة السادسة وسبع دقائق من مساء ذلك الثلاثاء المشؤوم، فقد دُمّرت نصف العاصمة بيروت بفعل الانفجارين اللذين أصاباها، ونُكب أهلها، وتمزّقت أشلاؤها، وتشرّدت عائلاتها، ودُمّرت شوارعها، وأبنيتها، ومستشفياتها، وكنائسها ودور العبادة فيها، ومدارسها ومتاجرها وفنادقها... والتي استعاد بعضها طبيعته خلال السنوات الماضية، فيما لا يزال بعضها الآخر بحاجة الى إعادة البناء أو الترميم، من دون أن تعوّض الدولة أيا من الخسائر التي تكبّدها المتضرّرون على حسابهم جرّاء هذا الانفجار الهائل.

والأكثر إيلاماً كان سقوط 235 ضحية حتى الساعة من اللبنانيين والأجانب على اختلاف دياناتهم وطوائفهم وانتماءاتهم السياسية، صودف وجودهم في الرقعة التي تضرّرت جرّاء الانفجار الضخم الذي تعدّى صداه شمال لبنان وجنوبه ووصل الى الدول المجاورة مثل قبرص... ولكلّ منهم قصّته المؤلمة التي أدّت الى وفاته في تلك اللحظة التي توقّفت معها عقارب الساعة، وتحطّمت أحلامه وأحلام عائلته... ومن بين هؤلاء الضحايا 10 من عناصر فوج إطفاء بيروت الأشدّاء الذين هبّوا لإطفاء الحريق الذي اندلع في العنبر 12 في المرفأ الذي خُزّنت فيه 2750 طنّاً من مادة «نيترات الأمونيوم». والمؤسف أنّ عدد الضحايا ماضٍ في الارتفاع يوماً بعد يوم بسبب وفاة عدد من المصابين الذين إمّا دخلوا في غيبوبة، وإما لم يتمكّنوا من مداواة جروحهم البالغة، في حين لا يزال عدد من الـ 6000 جريح، على فراش الألم في المستشفيات، وآخرون يحتاجون الى عمليات أو علاجات لا يقدرون على تحمّل أعبائها، فيما مُني نحو ألف شخص منهم بحالات إعاقة دائمة.

إنطلاقة خاطئة

ورغم مرور ثلاث سنوات على هذه الذكرى الأليمة، لا يزال الجرح ينزف، والحزن يكبر على الذين غادروا عائلاتهم ولم يعودوا الى منازلهم... ولا تزال بيروت تبكيهم مع أهاليهم، وتستصرخ ضمائر المسؤولين الذين صمّوا آذانهم عن صرخات الموجوعين والمجروحين والغاضبين، وعن مطالبتهم بكشف الحقيقة ومحاسبة المرتكبين، وما زالوا يعطّلون مسار القضاء العدلي، ما يجعل جميع المسؤولين في دائرة المتورّطين والمتآمرين كونهم يخشون من فضح الحقيقة.

قيل حينذاك إنّ نتائج التحقيق ستظهر خلال خمسة أيّام، وقد مرّت ثلاث سنوات (وتحديداً ألف و95 يوماً، وربما قد نصل الى السنة الخامسة)، ولم يتمّ التوصّل بعد الى أي نتيجة من تحقيقات لم تحصل كما يجب، ولم تستمرّ بسبب تسييس القضاء، والضغوطات السياسية، وإفلات المسؤولين من العقاب. أمّا المشكلة الكبرى في عدم التوصّل بعد الى معرفة الحقيقة، وتحقيق العدالة، مع الذكرى الثالثة على انفجار 4 آب، وفق مصادر سياسية مطّلعة، فتكمن في التسرّع في إحالة هذه القضية الى التحقيق العدلي قبل التأكّد من تكوّن العناصر الجرمية التي تتيح الصلاحية له. فضلاً عن انطلاق التحقيق بداية خاطئة قانوناً، مع فرضية حصول «جريمة قتل جماعية»، ما أدّى الى اتهامات وادعاءات اعتباطية وجعل المتهمين يلجؤون الى الطعن، والى رفض المثول أمام قاضي التحقيق لاستجوابهم وما الى ذلك... وأوصل عدم تمتّع المحكمة بالمرونة اللازمة، الى تعطيل التحقيق الذي أعاقه أيضاً خروجه من السريّة الى العلنية، الأمر الذي قيّد من حرية قاضي التحقيق طارق البيطار الذي جرى كفّ يده مرّات عديدة عن هذا الملف، في الوقت الذي لا يزال يعد فيه أهالي الضحايا والشهداء بأنّه سيُصدر القرار الظنّي الذي بات منجَزاً في وقت قريب. فهل سيصل مسار التحقيق الى خاتمته مع تأكيد البيطارعلى إصدار القرار الظنّي أم أنّ الحقيقة ستبقى ضائعة لسنوات عدية بعد؟

حِداد وطني

ويبدو واضحاً أنّ عدم تعاطي الدولة بشكل جدّي مع المأساة التي لا يزال يعيشها أهالي الضحايا والكثير من المتضرّرين جسدياً ونفسياً الذين يؤكّدون أنّهم «لن ينسوا 4 آب»، قد حوّل الذكرى الأليمة الى يوم حِداد وطني من كلّ عام تُقفل فيه جميع الإدارات والمؤسسات الرسمية، من دون اتخاذ أي إجراءات عملية مثل إنشاء لجنة تحقيق خاصّة بالانفجار، أو خلية أزمة تكون جاهزة في حال تعرّض البلاد، لا سمح الله، الى حدث مماثل، وخصوصاً أنّ الشعب هبّ لمساعدة بعضه بعضا إثر الانفجار فيما وقفت الدولة متفرّجة.

أمّا حرقة قلوب أهالي الضحايا فلا تزال كبيرة، فالجرح لم ولن يندمل قبل تحقيق العدالة، على ما يقول كثيرون منهم. ويرفضون بالتالي أن يتحوّل يوم الحِداد الى يوم عطلة للذهاب الى البحر أو للتسلية، بل للتضامن معهم في وقفاتهم الاحتجاجية على عرقلة التحقيق. وبرأي بعضهم أنّ كلّ شيء يعوّض من خسائر مادية وسواها، ما عدا الأرواح البريئة التي سقطت والتي لا يمكنها أن تستريح قبل معرفة مَن شحن باخرة النيترات، ومَن أدخلها الى مرفأ بيروت، ومَن تورّط وغطّى ونفّذ، وحمى وفجّر العاصمة، ومسرح الجريمة، ومَن غضّ الطرف وعرقل التحقيق وعطّل القضاء لطمس الحقيقة.

«من أجل العدالة والمحاسبة.. مستمرّون»

وفي وقائع يوم الحداد الوطني الذي شهده لبنان أمس على أرواح الشهداء والضحايا، وعلى نكبة بيروت، نظّم فوج إطفاء بيروت، و»جمعية أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت»، وجمعية «4 آب- لبنان»، و»الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حرَكياً»، تحت عنوان «بدنا كلنا نصيّف بس ما بدنا العدالة تصيّف... العدالة رغماً عنهم، من أجل العدالة والمحاسبة... مستمرّون»، مسيرة شعبية إحياء لذكرى 4 آب، ولتذكير العالم بأنّ العدالة لم تتحقّق بعد، وأنّ أهالي الضحايا لم ولن ينسوا.

وانطلقت المسيرة الرابعة من بعد ظهر أمس بعد التجمّع في مركز فوج الإطفاء- الكرنتينا حيث عُلقت صور الشهداء والضحايا الـ 235 من كلّ الجنسيات والأديان. وكانت عناصر قوى الأمن الداخلي قد أقفلت الطريق لتأمين مسار المسيرة، وحماية المتظاهرين. كما أقفلت المحلات التجارية أبوابها على طول الطريق المؤدية الى مشعل الحرية عند تمثال المغترب أمام مرفأ بيروت.

وأحيا مئات المواطنين ونشطاء المجتمع المدني من مختلف المناطق، وعدد من الشخصيات السياسية من سائر الأحزاب وعدد من العسكريين المتقاعدين الذكرى الثالثة للانفجار من خلال مشاركتهم في المسيرة. وقد حمل بعضهم العلم اللبناني ملطّخاً بالدماء، ورفع بعضهم الآخر علماً كبيراً للبنان كتبوا عليه قَسماً، فيما كانت تصدح في المكان أصوات الأغنيات الوطنية والحزينة، وقرع الطبول وصرخات الأهالي الغاضبين والمتألمين. وحَمَل الأهالي صور ذويهم للدلالة على أنّهم ليسوا أعداداً بل أشخاص كانت لديهم حياة وأحلام كثيرة، وبات لديهم حقوق من المجتمع اللبناني والدولي.

كما جرى توزيع الورود على المشاركين، ورُفعت اللافتات مطالبة بتحقيق العدالة والمحاسبة كُتب على بعضها «لجنة تقصّي حقائق دولية فوراً» و»4 آب كلنا ضحايا... كلنا أهل الضحايا»، «يا مع المحاسبة يا مع الجريمة»، «العدالة لديانا»، و»أنا رالف ملّاحي ما تنسوني»، و»شيل إيدَك عن القضاء»، «4 آب يوم قتلت السلطة شعبها» الخ... تأكيداً على عدم موت الضحايا وعدم دفن قضيتهم التي هي قضية كلّ لبنان...

وشوهدت شاحنة فوج الإطفاء في المكان، دلالة على الوفاء لضحايا فوج إطفاء بيروت الذين أهرقوا حياتهم على مذابح الوطن... وقد حصلت بعض حالات الإغماء في صفوف المشاركين بسبب حرارة الطقس قام عناصر الصليب الأحمر بإسعافها.

وأعلن المكتب الاعلامي لوزير الاشغال العامة والنقل، في بيان، أنه «تحية لضحايا انفجار مرفأ بيروت في ذكراهم الثالثة، وإجلالاً وتكريماً لأرواحهم الطاهرة، وإيماناً منا بأن هذه المناسبة الأليمة جسّدت وتجسد وحدة اللبنانيين أجمعهم، سيُصار بدءاً من السادسة (من مساء أمس) الى تعليق الأعمال المرفئية في المرفأ، بما فيها رفع الرافعات وتوقفها عن العمل في محطة الحاويات، وستطلق البواخر والسفن الراسية على أرصفته صافراتها، كتعبير عن الحزن في هذه الذكرى».

وأطلقت البواخر الراسية في مرفأ بيروت، بتوجيهات من رئيس مجلس إدارة ومدير عام المرفأ عمر عيتاني، صافراتها، التي سمعت في أرجاء بيروت، فيما رفعت الرافعات إلى الأعلى، تلاقياً مع مسيرة أهالي الضحايا وإجلالاً لأرواح شهداء ٤ آب.

كلمات غاضبة

وعند الساعة 6 و7 دقائق من مساء أمس، بدأ إحياء الذكرى بالنشيد الوطني اللبناني، ثمّ وقف المشاركون في المسيرة دقيقة صمت على أرواح الشهداء لحظة وقوع الانفجار، وجرت تلاوة أسماء الضحايا الـ 235... ثمّ ألقيت أربع كلمات لكلّ من رئيسة جمعية لجنة أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت ماريانا فدوليان شقيقة الضحية غايا فدوليان التي شدّدت في كلمتها على قتل العدالة. واتهمت المسؤولين بتجميد التحقيق لا بل بدفنه، وعن الترهيب والتخويف لإسكات أهالي الضحايا وقاضي التحقيق، وقالت إنّ «لا مشكلة لدينا بالقاضي البديل إنّما بدفن الملف».

وقالت روكز «يهمّنا الوصول الى التحقيق في جريمة مرفأ بيروت التي هي أكبر جريمة في التاريخ. نحن نشكر القضاة الشرفاء، ومن يصمد أمام طبقة سياسية كهذه يحقّق إنجازاً بحدّ ذاته». وسألت القاضي عويدات إذا كان راضٍيا عن القرار الذي أصدره، ووصفته بـ «ممثل السلطة السياسية الفاسدة». وسألت وزير المال «إذا كان على قدّ العدالة والعدلية»، طالبة من المسؤولين تشغيل ضمائرهم. وقالت إنّه «في ظلّ وجود أهالي يواجهون وقاض يواجه لا بدّ وأن نصل الى الحقيقة، إن لم يكن قريباً فلاحقاً».

وقالت إحدى الجرحى إنّها «جريمة ضدّ حقوق الإنسان من أجل التوصّل الى لجنة تقصّي حقائق. نحن سنُكمل لتبنّي قرار يتمّ التصويت عليه بالأكثرية. للمرّة الأولى يذكر مجلس حقوق الإنسان هذه القضية، وقد صوّت عليها 38 دولة». وتوجّهت الى المجتمع الدولي بكلمة دعت فيها الدول التي تؤمن بحقوق الإنسان الى التحرّك لتحقيق العدالة، مشدّدة على أن الجميع لديه الحقّ في العيش، مؤكّدة على ضرورة كشف الحقيقة بمساعدة المجتمع الدولي.

وتحدّث بول نجّار والد الضحية الطفلة ألكسندرا نجّار واعداً بإكمال القضية الى النهاية. وقال: «قلوبنا حزينة لأننا وعدنا ألكسندرا بأنّنا سنحضرهم واحداً تلو الواحد... قلوبنا حزينة لأنّه مرّت ثلاث سنوات، ولم نصل بعد الى العدالة، بل يجرّوننا لطلبها من الخارج»، متسائلاً أين الشعب الذي يريد المطالبة بالعدالة حتى آخر نَفَس؟

وتحدّث وليم نون شقيق جو نون بنبرة عالية السقف، مشيراً الى أنّ ثمّة نوّابا مع الأهالي وبعضهم ضدّهم، وأنّنا لم نأت للمزايدة على بعضنا بعضا. وقال: «كلّن إرهابيين. مطلبنا محقّ حتى نقف ونُهاجم الكلّ. على الكلّ الترفّع عن الأشخاص المتورّطين وعليكم تسليمهم، كلكم تحت القانون. أنتم قتلتونا وهجّرتمونا وعليكم أن تتحاسبوا. ومع حترامي للمؤسسة العسكرية، غير أنّ عناصر الجيش ومخابرات شرطة بيروت في مرفأ بيروت كانوا يعرفون بوجود نيترات أمونيوم. لا نتكلّم في السياسة. مطلبنا هو مَن أدخل نيترات الأمونيوم ومَن فجّرها، لا يحكونا عن التلحيم ولا حدا يخبرنا خبريات مش مقنعة». وعدّد أسماء السياسيين الذين طالب البيطار بمثولهم أمام التحقيق مثل علي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس مشيراً الى أنّهم كلّهم تحت سقف القانون ولو كانوا أبرياء لما كانوا يخشون الذهاب الى التحقيق.

وحث نون الدول الأجنبية التي لديها جميعها مخابرات في لبنان على المساعدة على كشف الحقيقة. وأضاف: «نحن كأهالي ضحايا نقف هنا بعد ثلاث سنوات، وسنبقى واقفين بعد ثلاثين سنة، ويدي بيدكم من الآن وحتى الموت. نتمنّى أن نكون هنا في العام المقبل ومعنا الحقيقة والعدالة».

القَسَم

وجرت تلاوة القسَم الذي أعلن في العام الماضي، وجاء فيه: «أُقسم بدماء الشهداء والضحايا، بأجسادهم المقدسة التي تناثرت على أرض بيروت. أًقسم بدمائهم الطاهرة بدموع الأمهات والأخوات والمسنين، بالقمح والخبز وعرق الحمّالين. أُقسم بالبحر والموج وبآهات المسافرين. أُقسم بربّ الكون وربّ العالمين. لن نيأس لن نرضخ لن نستكين لن نتراجع لن نستهين. هنا نحن وهنا سنبقى الى أبد الابدين للتاريخ والحقيقة والعدالة لأطفالنا وشبابنا وشاباتنا. أُقسم بروح الابطال وروح الأبرياء. أُقسم بأولئك الذين صدّوا النار بصدورهم. أُقسم بأولئك الذين حموا لبنان بدمائهم، بكلّ حبة قمح ومستودع وآلة. أقسم أنّنا سنواجه حتى النَفَس الأخير، والى أن يدقّ النفير والى أن يعلن للعالم هوية ذلك المجرم الحقير الذي أصابنا ويتّمنا وشرّدنا وباع وطننا وهدم بيوتنا. أُقسم أنّنا مستعدون اليوم وغداً أن نقاتل وأن نصمد الى أن يكون للعدالة ميزان وأن تعود بيروت أمّ الشرائع والقوانين».

وكانت كلمة للجرحى الذين شاركوا في المسيرة طالبت «المجتمع الدولي بالوقوف الى جانبنا لمعرفة حقيقة الانفجار، وأن يتطلّع الى مأساة جميع الجرحى». وذكر نون بأنّ ثمّة مطالب للجرحى سوف يتمّ توزيعها في وقت لاحق.

«خيمة العدالة»

ونُصبت في بيروت «خيمة العدالة» التي ضمّت منذ الثالثة من بعد ظهر أمس عدداً من المحامين الذين هم جزء من شبكة كبيرة من المحامين الذين يتابعون قضايا ضحايا 4 آب، أكان على مستوى المحلي أم الدولي. وقد انضمّ بعض المواطنين الى هذه الخيمة للاطلاع على تفاصيل ومسار التحقيقات الجارية. وقد جرى نقل النقاشات على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي.

وذكرت المحامية ديان آصاف أنّ لجنة تقصّي الحقائق التي يطالب بها أهالي الضحايا، ليست محكمة وليست بديلة عن القضاء اللبناني، إنّما لاستكماله ودعمه، ولا تُرتّب أي أعباء مالية على الدولة اللبنانية. وإذا ما جرى إنشاؤها، فبإمكانها أن تزوّد القضاء اللبناني بالمعلومات ولا سيما أنّه لا يؤدي دوره حالياً بسبب عرقلة العدالة. كما تستطيع الضغط على دول الخارج، وتسلّط الضوء على العراقيل التي تحول دون معرفة الحقيقة.

وعن إبصار هذه اللجنة للنور، قالت إنّ هناك 38 دولة قد وقّعت على البيان المشترك دعماً للعدالة في لبنان. ويمكن أن تكون هذه الخطوة الأولى لإنشاء لجنة التقصّي، فالأمل قائم لا سيما في أيلول المقبل إذ ستعقد جلسة في مجلس حقوق الإنسان. وأشارت الى أنّه من أجل إعادة القاضي البيطار الى التحقيق، لا بدّ للقاضي حبيب رزق الله من البتّ بالدعوى المقامة من قبل مدّعي عام التمييز غسّان عويدات ضدّ القاضي البيطار... هذه الدعوى الكيدية بجرم اغتصاب السلطة، وعلى القاضي عويدات التراجع عنها. كما على وزير المال التوقيع على مرسوم التشكيلات القضائية، وعندما يكون مجلس النوّاب في حالة التشريع يُفترض أن يقوم بإقرار التعديلات على القوانين والتوقيع على قانون استقلالية القضاء.

حكم بريطاني

وفي الوقت الذي لا يزال فيه التحقيق بانفجار مرفأ بيروت معلّقاً في لبنان، برز قرار للقضاء البريطاني، أعطى ثلاثا من عائلات الشهداء والضحايا «بارقة أمل»، فيما تسعى إليه منذ وقوع الإنفجار. فقد حدّدت محكمة العدل البريطانية في قرار لها صدر في 13 حزيران المنصرم، تعويضات مالية لهذه العائلات، من دون أن تتوصّل الى كشف ظروف الكارثة المأسوية. علماً بأنّ المحكمة العليا البريطانية كانت أصدرت في شباط الماضي قراراً قضى بمسؤولية شركة «سافارو ليمتد» المسجّلة في بريطانيا واعتبارها المالكة لمادة «نيترات الأمونيوم» المتفجّرة. وكانت قضت المحكمة في 31 كانون الثاني المنصرم بأنّ الشركة المذكورة هي المسؤولة عن حالات الوفاة والإصابات الشخصية والأضرار التي لحقت بالممتلكات في القضية.

وسبق أن رفعت نقابة المحامين في بيروت مع 3 من عائلات الضحايا، دعوى قضائية لملاحقة شركة «سافارو المحدودة» منذ أكثر من عام ونصف. وأفاد عدد من المحامين بأنّ المحكمة في لندن قد أصدرت قراراً ألزم الشركة بدفع أكثر من 800 ألف جنيه إسترليني (ما يوازي مليون دولار)، كتعويضات لضحايا انفجار 4 آب، في أول حكم من نوعه بشأن الانفجار.

أرز لتخليد ذكرى الشهداء

في ظلّ صمت المسؤولين وعدم تحرّكهم في الذكرى الثالثة لانفجار بيروت، باستثناء بعض المواقف المطالبة بتحقيق العدالة والمحاسبة، نظّم الدفاع المدني رحلة انطلقت من فوج الإطفاء في بيروت في اتجاه غابة الأرز. ضمّت الى جانب عناصر الدفاع المدني جمعيات ومدنيين وفنّانين وإعلاميين والشاعر رودي رحمة الذي كتب 3 قصائد تعبيراً عن الذكرى الأليمة، متسائلاً «مَن فجّر لبنان»، غنّت إحداها الفنّانة رفقا فارس. ويعمل رحمة على نحت مجسّم ضخم عن الانفجار مقابل مرفأ بيروت بعد شراء الأرض المناسبة له.

وقد جرى زرع أشجار أرز على أسماء ضحايا «فوج إطفاء بيروت» العشرة ليُصبحوا خالدين خلود الأرز، وأصدرت شهادات حملت أسماءهم سُلّمت لعائلاتهم.

يُذكر أنّ محميّة أرز الشوف في الذكرى الأولى لانفجار بيروت قامت بزرع غابة تخليداً لذكرى شهداء المرفأ، احتوت على أرزة باسم كلّ ضحيّة حُفِرَ على إشارة خشبية مع بطاقة عضوية في غابة الأرز الخالد التي تقع في غابة أرز الباروك كالطفلة ألكسندرا نجّار، إيفون سرسق كوشران، سحر فارس، علي مشيك، آرنو تيّان وغيرهم.

«عندما ترجع بيروت»

ولمناسبة الذكرى، أصدرت الفنّانة ماجدة الرومي أغنية حَمَلت عنوان «عندما ترجع بيروت»، شكّلت نشيداً ملحمياً جرى التحضير له خلال السنتين الماضيتين. واختارت الرومي كلمات الشاعر نزار قبّاني مرّة جديدة لتكريم بيروت «ستّ الدنيا» وطرحت «فيديو كليب» صُوّر بين لبنان ومصر أهدته لأهالي الشهداء. والأغنية من ألحان يحيى الحسن وتوزيع ميشال فاضل، أمّا الكليب فمن إخراج شربل يوسف.

وتقول كلمات الأغنية: «عندما ترجع بيروت إلينا بالسلامة... آخ يا بيروت كم أتعبنا هذا السفر أغمرينا أغمرينا بمكاتيب المحبّين.. هل من الممكن أن تطلع بيروت الجميلة مرّة أخرى من الأيدي الخَراب؟ هل من الممكن أن ينبُت قمحٌ في مياه البحر (في إشارة الى أهراءات القمح التي أصيبت وتدحرجت أعمدتها بعد الانفجار)، أو أن يأتي مع الموج الحساب؟! آه يا بيروت كم أتعبنا هذا القدر»!!

تضامن خارجي

وتضامناً مع الذكرى الثالثة للانفجار، وزّعت السفارة الفرنسية تغريدة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جاء فيها: «أيتها اللبنانيات، أيها اللبنانيون، إنني أفكّر بكنّ وَبكم. بعد الانفجار في بيروت من ثلاث سنوات، كنت إلى جانبكم. وسوف أتذكّر دوماً الحوار الذي دار بيننا.. لبنان لم يكن وحيداً. وهو ليس وحيداً اليوم أيضاً. يمكنكم أن تعتمدوا على فرنسا، وعلى تضامننا».

كما وزّعت السفارة أيضاً بياناً لوزارة الخارجية الفرنسية أعلنت فيه أنّها «لا تنسى ضحايا انفجار الرابع من آب»، معربةً عن «تضامنها مع عائلاتهم وأحبائهم». وأملت في أن «يمضي القضاء اللبناني في استكمال التحقيق بكل شفافية وبعيداً من التدخّلات السياسية»، معلنة عن «استمرار فرنسا في الوقوف إلى جانب لبنان كما فعلت دائماً».

موقف ديني

وفي موقف ديني، رأى بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، أن «الذكرى السنوية الثالثة للتفجير الإرهابي في مرفأ بيروت تحلّ فيما لا يزال الجرح نازفاً، والعدالة مفقودة، والمتهَمون أحراراً، والبلد رازحاً تحت وطأة الأزمات المتفاقمة على كلّ صعيد».

وقال في بيان وزّعته أمانة سر البطريركية: «نرفع الصلاة إلى الرب من أجل راحة نفوس الشهداء، وتعزية القلوب الثكلى على فقدانهم، وشفاء الجرحى، وعضد المنكوبين والمتضررين. نهيب بالمسؤولين فكّ أسر التحقيق للكشف عن ملابسات هذه الجريمة النكراء، ومحاسبة المرتكبين والمتسبّبين والمتسترين. نأمل مع قداسة البابا فرنسيس أن تجد أزمة لبنان المعقدة حلّاً يليق بتاريخ هذا الشعب وقيمه».

الأكثر قراءة

لا دولة فلسطينيّة... لا دولة لبنانيّة