اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

أمين سر لقاء "مستقلون من أجل لبنان"

في البدء كان الكلمة، أي الفكرة، أي الخلق، أي الله وجميعها حركية في الله واتحاد به والله هو الفكرة والخلق والكلمة والانسان. ألم يكن الله متجسدا"في شكل انسان أسميناه السيد المسيح الذي نطق بالفكرة وبلاهوت الايمان بالله الواحد الخالق؟ تعالوا نجتمع حول الفكرة، فكرة الاصلاح للخلل السياسي - الاجتماعي وفكرة اعادة بناء الدولة أو فكرة تكوين الدولة المعاصرة الحديثة. تعالوا نعمل معا" ككوادر بناء ونخب اصلاح، نكون مع يد الله والملاك الذي دحرج الحجر، لنعلن قيامة لبنان الجديد وقيامة مسيحية جديدة تنشر قوة الفكرة وليس فكرة القوة والحرب في مخاطبة الآخر. كان بشارة الخوري يقول أن فكرة العدالة والاصلاح يتحققان بالسياسة وليس بالقوة. نحن نحتاج الى مزيد من الحرية والحكمة ومساحات التلاقي والضمانات المتبادلة. فالآخر ليس التهديد ولا الجحيم. نظريات وأفكار روسو(الميثاق السياسي والاجتماعي) وفولتير ومونتسكيووديدرو سبقت الثورة الفرنسية العالمية سنة 1789 وأوجدتها. حقبة التنوير الفكري والثقافي والقيمي التي سبقت الثورة السياسية في فرنسا مثلت دور القابلة القانونية لتلك الثورة. تونس عرفت ربما أول نظام معاصر قائم على صيغة دستورية بسبب اطلاع نخبها السياسية على فكر ديكارت المجاور على الضفة المقابلة للمتوسط. في كتابه الصادر عام 2014 بعنوان World Order ينصح هنري كيسنجر الانتلجنسيا الأميركية الاهتمام بالفلسفة اضافة الى الجيوبوليتيك من أجل التصدي للتحديات المعاصرة بنجاح. فكرة كيان لبنان كانت عظيمة، أسستها الكنيسة والانتلجنسيا المسيحية أو المارونية السياسية ولكنها أصبحت مع بشارة الخوري والكتلة الدستورية فكرة وطنية عابرة للطوائف. وهكذا كانت أيضا" الشمعونية والشهابية واللحودية والعونية كتجارب حكم عابرة للطوائف قادتها نخب مسيحية وطنية ولكنها باتت جزءا" من التجربة اللبنانية على امتداد قرن. كل العهود لم تكن مسيحية فقط وشهدت انجازات واخفاقات على طريق تجربتنا المشتركة كلبنانيين منتمين الى وطن واحد، وعلينا اليوم أن نراجع ونستكشف هذا التاريخ لفهم الأحداث والوقائع ونخضعها للمسائلة والنقاش والنقد الفكري حتى نتمكن من استشراف المستقبل ونعالج الأزمات التي تؤثر في حياة المواطنين.

بعد مائة عام من عمر لبنان الكبير، تظل هناك اسئلة يطرحها علينا الواقع من دون حتى تدخل ارادي من قبلنا، من بينها سؤال عن المعنى الذي قدمته الشهابية (السياسية والاجتماعية) لتجربة لبنان، ولتجربة المسيحيين – والمسلمين – في لبنان. بعجالة يمكن القول أن أهمية تجربة فؤاد شهاب تكمن في معنى واحد، وهوأنه نقل لبنان من كونه مغامرة ابتداعية في الشرق المحفوف بالمخاطر، الى معنى أنه دولة للتجربة اللبنانية الرائدة. وفي الظل وحيث لا يعلم الكثيرون، كانت الشهابية تسير بترشيد من الأب لوبريه الذي أهداها الارشاد الاجتماعي وفكرة دولة الرعاية التي جمعت بين الاقتصاد والانسانية جوهر المسيحية، وبوحي من تعاليمه ذهب شهاب وفريق عمله لمشروع توسيع القاعدة الاجتماعية للدولة من خلال التنمية المتوازية التي جاءت لتطوي صفحة صناعة الطفرة – الفقاعة التجارية حسب ميشال شيحا، ولتطوي صفحة مغامرة الطفرة المالية حسب يوسف بيدس، وكلا هاتين الطفرتين كان مقتلهما في أنهما مركزا الثروة في أيدي بضعة عائلات و2% فقط من اللبنانيين وفق دراسات بعثة ايرفيد Irfed، فيما رزح أغلبية اللبنانيين ولا سيما في الأطراف تحت خط الفقر المختفي وراء بهرجة ما سمي آنذاك بالجمهورية اللبنانية الفينيقية التجارية. أحيانا" يخامرني احساس له مقومات القناعة، ومفاده أن لبنان هو صناعة مغامرين، وهو كذلك نتاج تصارع مغامرين حول السلطة ومن أجلها. مغامرة شهاب مع جعل فكرة لبنان تحتضنها دولة ذات مؤسسات وذات رؤية تنموية اجتماعية، كانت الأنجح لأنها لحظت أبعادا" اجتماعية لاستقرار البلد، وليس فقط أبعادا" مالية وربحية مجردة ومتوحشة. ومع ذلك لم تعش التجربة الشهابية سوى عهد ونصف العهد، أي أقل من عقد، لأن شارل حلو قرر في منتصف عهده أن لا يكون امتدادا" للشهابية وذهب لانشاء حالة تكيّف مع استبدال المايسترو الفرنسي الاقتصادي بالمايسترو الأقتصادي الأميركي. لقد انهار بموجب ذلك بنك انترا ( 1966) الذراع المالية للشهابية – كما شاع حينها – والمتحالف مع انكلترا بحسب التهمة الأميركية، وحلّ مكانه دور المصرف المركزي الذي طالبت واشنطن بانشائه منذ البداية ليكون عينها على المصارف التي جعلتها تنظيرات شيحا بحل من أية رقابة للدولة عليها. وخلال هذه المرحلة نشأ لبنان المحكوم من دولتين : دولة عميقة قوامها المصارف والعائلات الحاكمة (الـ13)، ودولة واقعية قوامها الطبقة السياسية... وتفجرت هذه التركيبة على رأس ما كان يسمى بالمارونية السياسية حينها بفعل نشوب حرب العام 1975. لم يكن بيدس من حيث الولادة لبنانيا" ولكنه سرعان ما صار قبطانا" سافر على سفن ميشال شيحا التجارية الفينيقية باتجاه مغامرة جعل لبنان، كما قال، يشحن المال من المنطقة واليها، وذلك بموازاة أن قناة السويس يشحن البضائع من المنطقة واليها، ولم تعش صيغة دولة المصارف العميقة ودولة الطبقة السياسية الواقعية الا نحو عقد.. ثم جاءت الحرب، وبعدها جاء الطائف، ومع الأخير ظل السؤال مطروحا" وخاصة عند المسيحيين: عن أية دولة نريد لفكرة المغامرة اللبنانية ؟ وهذا السؤال يبحث عن خط انطلاق له حتى يمكن الاجابة عنه بالمعنى المناسب، ولكن هل يكون خط الانطلاق نحوه من السؤال عما اذا كان المسيحيون قادرين على تجنب الحرب الاهلية لو امتلكوا حينها قيادة حكيمة؟ وهل اليوم وقت طرح هذا السؤال؟ ام تكون نقطة الانطلاق للمسائلة المسيحية مع نفسها من توجيه سؤال عما اذا كان المسيحيون فاوضوا كما يجب على طاولة الطائف؟ ولكن أيضا"، هل اليوم وقت طرح هذا السؤال؟ أم يكون منطلق المسائلة هو السؤال : هل نحن اليوم بحاجة لمسيحية سياسية وطنية واجتماعية جديدة على نحوما فعل شهاب خلال عهد ونصف؟ وهل اللحظة التي تمتاز بأنها لحظة انهيار تسمح للمسيحيين بالتفكير باعادة البناء السياسي لبيتهم ولدورهم ولوطنهم بالتشارك مع كل الطوائف الأخرى ومع كل اللبنانيين؟ هل تنطلق المسائلة من نقطة السؤال عما اذا كانت الأحزاب المسيحية التي اضعفت الموقف المسيحي عشية اتفاق الطائف وخاضت حروب الغاء بعضها البعض، هي ذاتها تستطيع أن تعزز الموقف المسيحي اليوم ضمن مشروع وطني تجديدي نهضوي؟ وهل الوقت الراهن مناسب لفتح دفاتر حساب الذات وحساب أحزاب الكارثة والحرب عام 1975 والهزيمة في العام 1989 والانهيار في العام 2023؟ ما العمل؟ نحن نطرح هذا السؤال داخل لقاء مستقلون من أجل لبنان الذي أجاب على ثلاثة أرباعه بمجرد أنه أعلن ولادته وفق مشروع يتبلور مع الاصرار على اثبات الوجود على جبهة عدم الاحباط وعدم التسليم للأمر الواقع المهزوم والفاشل بدليل تجارب المسيحيين مع أحزابهم الراهنة والتقليدية.


الأكثر قراءة

حزب الله فرض العودة الى قواعد الاشتباك السابقة... 120 مليون دولار كلفة الهجوم الاسرائيلي رئيس الاركان الاميركي في بيروت: الجيش اللبناني شريك استراتيجي ودوره اساسي في الفترة المقبلة شورى الدولة يصدر قراره اليوم في النزاع حول التمديد للواء صعب ووفد من أمن الدولة زار سوريا