اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

صوّت مجلس الأمن الدولي لمصلحة قرار التجديد للقوة الدولية المؤقّتة في لبنان "اليونيفيل" لمدة سنة إضافية، بدأت في 31 آب المنصرم وتنتهي في 31 آب 2024، بتأييد 13 عضواً وامتناع روسيا والصين عن التصويت. واحتفظ القرار الذي حمل الرقم 2695 في صيغته النهائية بالتفويض الأساسي لليونيفيل والمهام الموكلة اليها، على ما كان معتمدا في قرار التجديد رقم 2650 الصادر في العام الماضي (2022). وبذلك تكون الديبلوماسية اللبنانية قد فشلت في الحصول على مطالبها ، لا سيما شطب الفقرة المتعلّقة بحرية حركة "اليونيفيل"، وقيامها بتسيير دورياتها المعلنة وغير المعلنة، من دون إذن مسبق وبشكل مستقلّ، بسبب الضعف السياسي والديبلوماسي. كما لم يتمكّن من تغيير عبارة "القسم الشمالي من بلدة الغجر"، بـ "خراج بلدة الماري"، بعد أن كانت المعلومات تشير الى أنّها سوف تُعتمد على ما يطالب لبنان.

غير أنّ لبنان تمكّن من "النجاة" من تحويل قرار التجديد من الفصل السادس الى الفصل السابع الذي لوّحت به الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، على ما أكّدت أوساط ديبلوماسية مطّلعة ، وإن ذكر البعض أنّ "لغة" القرار الجديد جاء متشدّداً وقريباً من الفصل السابع. إلّا أنّه لم يُجز للقوة الدولية باستخدام القوّة لتطبيق القرار 1701، وإلّا لكان لبنان دخل في متاهة كبيرة. وفيما يتعلّق بمطالبة لبنان بتزويد الجيش اللبناني بالمحروقات لمواكبة دوريات "اليونيفيل"، فأجاب عليها القرار من خلال "الحثّ على تقديم المزيد من الدعم الدولي للقوّات المسلّحة اللبنانية، وجميع مؤسسات الدولة الأمنية.. بما في ذلك للاحتياجات اللوجستية اليومية والصيانة ومكافحة الإرهاب وحماية الحدود والقدرات البحرية".

وأضافت الاوساط أنّ الدول الغربية حاولت إعلاء السقف خلال مفاوضات الأسابيع الأخيرة التي سبقت جلسة مجلس الأمن الخاصّة بالتجديد، في محاولة تهويلية، للوصول الى عدم شطب الفقرة التي أُضيفت في العام الماضي، ولم يقم لبنان وقتذاك بأي ردّة فعل لما حصل بسسب الإهمال والتقصير. وفي واقع الحال، فإنّ القرار حافظ في جزء كبير منه على الصيغة المعتمدة سابقاً، والمهمّ أنّ المضمون بقي على ما هو عليه، وإن جرى تغيير بعض العبارات. فيما تمسّك لبنان برفض توسيع حركة "اليونيفيل" وتحرّكها من دون تنسيق مع حكومة تصريف الاعمال والجيش، كما رفض إعطاء الشرعية لنقل ولاية القوّة الدولية من الفصل السادس وفق قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الصادر في آب من العام 2006، والذي دعا الى حلّ النزاع بالطرق السلمية، الى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يدعو الى فرض القرار بالقوّة.

فالقرار 2650، على ما أوضحت الأوساط نفسها، كان ينصّ على أنّ "اليونيفيل لا تحتاج الى إذن مسبق أو إذن من أي شخص للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها، وأنّه يُسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقلّ، ويدعو الأطراف الى ضمان حرية حركة "اليونيفيل"، بما في ذلك السماح بتسيير الدوريات المعلنة وغير المعلنة عنها". في حين أكّد القرار رقم 2695 من جديد على أنّ بعثة حفظ السلام في الجنوب اللبناني "لا تحتاج الى إذن مسبق أو تصريح للقيام بالمهام المنوطة بها، وأنّ "اليونيفيل" مخوّلة بإجرء عملياتها بشكل مستقلّ، مع الاستمرار في التنسيق مع الحكومة اللبنانية"، كما طالب الأطراف "بالامتناع عن وضع أي قيود وعوائق أمام حركة قوّات "اليونيفيل" وضمان حرية حركة القوّة الدولية، "بما في ذلك عن طريق السماح لها بتسيير دوريات معلنة وغير معلنة".

وهنا، يبدو واضحاً أنّه بدلاً من اعتماد عبارة "يُسمح لها"، استخدمت عبارة "مخوّلة" اي أنّها ليست بحاجة الى من يسمح لها بإجراء عملياتها وتسيير دورياتها، على ما تابعت الاوساط الديبلوماسية، وهذا الأمر لا يغيّر شيئاً في مهامها، وخصوصاً أنّ القرار شدّد على "الاستمرار في التنسيق مع الحكومة اللبنانية". وإذ يرى البعض أنّ الحكومة ليست الجيش، أشارت الاوساط الى أن تنسيق "اليونيفيل" مع الحكومة يعني التنسيق مع الجيش، كون الحكومة ليست مخوّلة بالعمليات الأمنية، وهي تُجيّر كلّ ما له علاقة بالدوريات الأمنية الى قيادة الجيش اللبنانية. من هنا، فالتنسيق مع الجيش يأتي تلقائياً من خلال التنسيق مع الحكومة، كون الجيش يمثّل الحكومة في كلّ الأمور التي لها علاقة بالأمن والاستقرار في البلاد. وإلّا لكان القرار سيئا جدّاً كون "اليونيفيل" تعمل على الأراضي اللبنانية ولا يمكنها عدم التنسيق مع الحكومة اللبنانية بما تقوم به، في حين تُنسّق مع "الحكومة الإسرائيلية".

وترى الاوساط أنّ شطب عبارة "احتلال" واستبدالها بكلمة "وجود" للتعبير عن الاحتلال الإسرائيلي المستمرّ لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من بلدة الغجر، ليس بالأمر السهل، كونه قد يُستخدم في قرارات لاحقة، خدمةً لـ "المصالح الإسرائيلية". علماً بأنّ القرار 2695 حثّ بقوّة "إسرائيل" على الإسراع في انسحاب جيشها من شمال قرية الغجر والمنطقة المتاخمة شمال الخط الأزرق، من دون المزيد من التأخير بالتنسيق مع "اليونيفيل". كما أنّ القرار 1701 ينصّ بشكل واضح على "الانسحاب الفوري للقوّات الإسرائيلية من جنوب لبنان"، وهذا يعني أن تطبيقه يُلغي فكرة "ترسيم أو تثبيت الحدود البريّة" عند الحدود الجنوبية.

وإذ أكّد القرار رقم 2695 من جديد دعوته لجميع الدول الى تقديم الدعم والاحترام الكاملين لإنشاء "منطقة خالية من أي افراد مسلّحين وأصول واسلحة"، باستثناء تلك التابعة للحكومة اللبنانية و"اليونيفيل" حنوب نهر الليطاني، ودان "استمرار احتفاظ الجماعات المسلّحة بالأسلحة خارج سيطرة الدولة اللبنانية في انتهاك للقرار 1701"، شدّدت الأوساط عينها، على ضرورة أن يبدأ لبنان منذ الآن علاقاته الديبلوماسية على أساس "تبادل المصالح"، لمنع تمرير ما تريده الدول الغربية إحلاله في المنطقة الجنوبية. فما ينصّ عليه القرار الحالي، تريد الدول الغربية تطبيقه "بالقوة" خلال السنوات المقبلة، وإذا استطاعت خلال التجديد لليونيفيل في العام المقبل.

لهذا، على الديبلوماسية اللبنانية العمل منذ الآن، وفق الأوساط نفسها، على أساس حفظ الأمن والسلم الدوليين في المنطقة الجنوبية، على النحو الذي تريده الحكومة اللبنانية، والبدء ببحث مطالبها مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي التي يُمكنها مساعدتها ودعمها من دون انتظار الأشهر ما قبل الأخيرة من موعد التجديد للقوة الدولية. وهذا التكتيك عليها اعتماده فوراً لكيلا تفشل مجدّداً، في الحصول على ما تطالب به في جلسة تُعقد بناء على طلب الحكومة اللبنانية... علماً بأنّ "اليونيفيل" أكّدت أخيراً بعد اتخاذ القرار 2695، على لسان الناطق باسمها في لبنان أندريا تيننتي أنّها سوف تلتزم بالتنسيق مع الحكومة والجيش، على غرار ما فعلت خلال العام الماضي رغم صدور القرار 2650 الذي نصّ على توسيع حركة "اليونيفيل" وقيامها بعملياتها ودورياتها بشكل مستقل وبمعزل عن الجيش، إلّا أنّه لم يطبّق فعلياً على الأرض. وقال: إنّه "لم يتغيّر شيء على صعيد الصلاحيات والإجراءات التي تتخذها "اليونيفيل" في جنوب لبنان... نقوم بالعمل الميداني بالتنسيق مع الجيش اللبناني، وهذا مستمرّ منذ العام 2006، وسيتواصل"، مشيراً الى أنّ "ثمّة مهام نقوم بها من دون مشاركة الجيش، وهذا الأمر يحصل منذ العام 2006، ولم يتغيّر شيء".


الأكثر قراءة

زلزال قضائي: توقيف رياض سلامة... ماذا في المعلومات ولماذا الآن؟ الضغط الدولي غير كافٍ في احتواء إجرام نتنياهو تعزيزات الى الضفة الغربية... وخشية من تكرار سيناريو غزة