اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

أخذ عليّ أستاذ فلسطيني في جامعة أميركية تلك الكمية الضئيلة من التفاؤل في بعض مقالاتي. "الشيء الوحيد الذي نحتاج اليه هو البكاء ـ ولطالما بكينا على الأطلال ـ ثمة أبحاث في جامعة هارفارد، وتوضع بطلب من مؤسسات حساسة، سواء داخل الادارة أو خارجها، ترى في أكثر الدول العربية ظواهر هجينة آيلة الى الزوال".

يتوقف عند بعض الفقرات حول التحولات في المملكة العربية السعودية، ليقول ان ابنه يعمل مستشاراً تقنياً في احدى الدوائر الهامة، وقد ردد أمامه مرات عديدة "أن لحظات خطرة تنتظر الأمير محمد بن سلمان. لا أميركا، ولا "اسرائيل"، تستطيع أن تتحمل ابتعاد المملكة عن المعسكر الغربي، وبناء قوة اقتصادية، أو عسكرية، في المنطقة العربية، مع انتهاج مسار استراتيجي يقوم على العلاقات المتوازنة مع القوى العظمى، دون أن ياخذ برؤية جده (الملك عبد العزيز) من أن أميركا هي القوة العظمى الوحيدة، والأبدية، على الأرض".

في نظره أن كل دولة "سقطت"، ان بفعل التصدع الطائفي، أو القبلي، أو السياسي، أو بفعل الاحتلال، لا يمكن لها العودة الى وضعها الطبيعي، لا بل قد تكون مهددة بوجودها، لعدم توافر الديناميكية الداخلية، أو الديناميكية الاقليمية، للنهوض. هذه هي حال لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن، وليبيا، والسودان، والصومال. أما البلدان الأخرى فهي تنتظر دورها في هذا الدومينو الجهنمي...

الاستاذ الفلسطيني المخضرم يقول، من خلال تجربة السنوات الأربعين في الولايات المتحدة، "هنا لن تجد من يرى في الدول العربية دولاً قابلة للتفاعل مع ايقاع القرن. اذ اما أن تكون في ظل كوكتيل عسكري يفتقد الحد الأدنى من الرؤية، أو في ظل كونسورتيوم للمافيات التي كل ما يعنيها نهب المال العام".

استطراداً لا مستقبل لتلك الدول اذا ما أخذنا بالاعتبار أننا نتجه، في النصف الثاني من القرن، الى "ما بعد العالم". الدول العربية اما في الطريق الى الاندثار، أو البقاء في "ما دون العالم"!

مثالان للسقوط العربي المدوي. الانكفاء المصري بذريعة الانهماك في المشكلات الداخلية. على مدى التاريخ، مدى كانت المشكلات الداخلية معزولة عن التأثيرات الخارجية. توجس لافت من الدور التركي، والدور الايراني في المنطقة العربية "التي أرهقتها الثقافات، والسياسات، ذات المنحى الايديولوجي" (العراق في ظل المثلث الأميركي ـ التركي ـ الايراني نموذجاً).

الاستاذ الفلسطيني لاحظ كيف أن عشرات الدول القريبة، أو البعيدة، تتدخل ـ مباشرة ـ في تصنيع، وادارة، الصراع في كل من ليبيا والسودان. مصر، المعنية سياسياً، واستراتيجياً، أكثر من أي دولة أخرى، في دور أبي الهول، بالرغم من كل الهزات الارتدادية على كامل الحدود بين البلدين والتي تناهز الـ 2400 كيلومتر.

يخلص "تلك مأساة كبرى، وتضرب كل العرب، اذا كان دور القاهرة (قاهرة المعزّ، وقاهرة جمال عبد الناصر) يقتصر على مساعي وقف النار بين بهلوانيات "الاخوان المسلمين"، وسياساتهم المكيافيلية، في غزة، وبربرية الائتلاف الراهن في اسرائيل".

سؤاله الكبير "أليس التعايش مع الثلاثي بنيامين نتنياهو ـ ايتامار بن غفير ـ بسلئيل سيموترتيتش، أقرب ما يكون الى التعايش مع الميدوزا، بذهنية الأفاعي. الى هنا، يا استاذ، تصلني قهقهات تيودور هرتزل، وهو في قبره". يستدرك ضاحكاً "هل رأيت غولدا مئير، يوماً، وهي تضحك؟". أعجبه كثيراً ما كتبته حول وصف فرنسوا ميتران لها بكونها "سقطت للتو من مؤخرة يهوذا؟"...

اذ يلفته موقف شيعة لبنان من "اسرائيل"، "... وكسرهم الخرافة التوراتية"، يثير ذهوله ما يفعله شيعة العراق "الذين يأكلون الأخضر واليابس"، ليقول "ذاك العراق الذي تليق به المرثيات السومرية الكبرى"، ملاحظاً أن "كل شيء مهدم. لا اقتصاد، ولا انتاج سوى النفط، ولا كهرباء، ولا ماء، بعدما تحول البلد، في أيدي أميركا وايران وتركيا الى أرض يباب"..."أما السنّة فلا يجدون من ملاذ سوى أن يتحسروا على عهد صدام حسين"...

عبثاً، أحاول اقناعه ـ واقناع نفسي ـ بأن ثمة ضوءاً في آخر النفق. "كيف لك أن ترى الضوء، وأنت في طريقك الى... الجحيم؟"...


الأكثر قراءة

توقيف سلامة يطرح علامات الاستفهام وخاصة التوقيت