اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

في أعقاب الأحداث الصادمة التي يموت فيها الابرياء، قد يشعر الناجون بالذنب، مثل الحرب المدمرة الدائرة حاليا في قطاع غزة، ومشاهدة المذابح التي ينفذها الكيان الصهيوني بالمدنيين والأطفال منذ 7 تشرين الأول الجاري.

فعندما تستطيع النجاة من حادث ما سالماً بينما يعاني الآخرون، من المحتمل أن يكون لديك سؤال واحد متكرر: لماذا لستُ أنا؟ قد تشعر حتى أنك لا تستحق أن تنجو مما حل بالآخرين. لذلك يبدأ الحزن يكبر شيئا فشيئا على مَن لم ينج الى جانب الامتنان لنجاتك من الكارثة، إضافة الى الشعور بالمسؤولية الشخصية تجاه ما يحدث، والذي يعرف بـ "ذنب النجاة" ما بعد الصدمة التي هددت حياة الجميع.

وتشمل اعراض ذنب الناجين باليأس والندم حيال ما كان يمكن فعله لتجنب الواقعة او تقديم العون للمصابين، وعودة ذكريات هول الاحداث الى جانب تقلبات المزاج وسهولة الغضب، إضافة الى الأفكار الهوسية التي قد تسيطر على الفرد، واضطرابات نفسية واعراض جسدية مثل: قلة النوم وفقدان الشهية وتسارع دقات القلب والصداع.

وبناء على كل ما تقدم، قد يسأل الفرد هل هذا الشعور طبيعي؟ وكيف يمكن مواجهة هذه الاختلاجات والتخلص من الإحساس بالذنب بسبب ما يجري في العالم من قتل وتشريد ومجازر إجرامية بحق المدنيين؟

وفي هذا السياق، قالت الاختصاصية النفسية والاجتماعية غنوة يونس لـ "الديار" " في النسخة الحالية من الدليل التشخيصي DSM 5، يُعتبر شعور الذنب عند الناجين أحد أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، ويمكن اعتباره أحد أعراض التفكير والمزاج المرتبطة بـ PTSD، ويتضمن الشعور بالذنب المشوه والأفكار السلبية عن الذات والندم. ومع ذلك من المهم ملاحظة أنه يمكن للأشخاص أن يقاسوا من شعور الذنب بعد النجاة، حتى وان كان هؤلاء لا يعانون من PTSD، وبالإمكان أن يكون لديهم PTSD دون الإحساس بالإثم".

واشارت الى "ان شعور الذنب الذي يصيب الناجين والناجيات يمكن أن يكون في الواقع أحد أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، واشاراته متشابهة إلى حد كبير".

علامات ذنب الناجين

ما هي علامات "ذنب الناجي"؟ تجيب يونس:

1. الانغماس في الذكريات المؤلمة للحادث من خلال flashback أو الكوابيس الليلية، بحيث ان المشاهد المؤلمة تتسلط على العقل لدرجة يصعب السيطرة عليها.

2. تفكير متواصل بالأحداث واستحواذها على الذهن وفقدان القدرة على التحكم بالأفكار.

3. شعور الناجي بالتقصير، بحيث لا يستطيع الاستمتاع بالحياة، مثل: شرب القهوة، النوم براحة.

4. حرقة على الذين تعرضوا لخسائر كبيرة او توفوا، والشعور بتأنيب الضمير للاعتقاد انه كان من الممكن فعل شيء آخر في ذلك الوقت للمتضررين، كحماية الاطفال ومعانقتهم للتخفيف من مأساتهم.

5. صعوبة في التغلب على ما حدث، لان العقل البشري لا يستطيع تحمل الظلم الكبير الذي يعيشه الفلسطينيون، وبالأخص الكبار في العمر والأطفال. فالقصف الإسرائيلي الهمجي المتواصل دمر منازل وممتلكات الغزّاويين وحصد آلاف الشهداء، وما يحصل جعلنا نجر وراءنا حبلاً طويلاً من المشاعر السلبية، لان هاتين الفئتين بحاجة الى المساندة والدعم، لانهما الأكثر ضعفا وهشاشة في مثل هكذا ظروف.

6. يحمل أغلب الناجين من الأزمات والأخطار الكبيرة المهددة للحياة حملاً ثقيلاً ومعقداً من المشاعر، التي تتأرجح بين لوم النفس والقلق والاكتئاب والشعور بالذنب لنجاتهم، وخسارة أقارب أو أصدقاء أو حتى أشخاص غرباء، ومن الممكن أن تذهب في اتجاه تبلد المشاعر أيضاً.

وقالت يونس: "يمكن اعتبار هذا الشعور على أنه اضطراب ما بعد الصدمة إلى جانب لوم النفس، لذلك فإن الحادث يطارد الفرد بنفس الطريقة التي يفعلها اضطراب ما بعد الصدمة إضافة الى الندم".

أضافت "ان شعور الذنب تجاه النجاة، يمكن ان يؤدي أيضا إلى تحديات صحية نفسية أخرى الى جانب اضطراب ما بعد الصدمة، مثل الاكتئاب والقلق واستعمال المواد السامة كالتدخين المفرط، والاسراف بشرب الكحول. فتزيد السلوكيات الادمانية كمحاولة للتغلب على الواقع الذي نعيشه او للتخفيف من حدته نتيجة لتكيف غير صحي". واكدت "كما يمكن أن يؤدي إلى الانسحاب من العلاقات الاجتماعية والعزلة، وقد يغير الفرد في نمط حياته الطبيعي كمحاولة للحزن والتعاطف مع الآخرين، فلا يستطيع الخروج والتنزه والاستمتاع لان غيره يتألم".

كيف نتأقلم ونخفف من حدة الشعور بالذنب؟

وتطرقت يونس الى بعض الاستراتيجيات التي يمكن للفرد القيام بها للتحكم بمشاعر وخز الضمير من خلال:

1. السماح لنفسك ان تشعر بمشاعرك: أي لا تكتم مشاعرك أو تتجنبها، بل حاول معالجتها والعمل على تسمية الامور بأسمائها وعدم تجاهلها، فالتعبير عنها صحي، بحيث يمكنك الحزن على الأشخاص الذين تعرضوا لخسائر كبيرة أو توفوا.

2. ممارسة تمارين التأمل (Mindfulness): قم بالاسترخاء والتأمل، لان ذلك سيوفر لك الارتياح العقلي والعضلي، ومن خلال تمارين التنفس يمكنك الرقاد والنوم بشكل أفضل.

3. لا تنعزل عن الآخرين: بدلاً من تجنب الآخرين ابق على اتصال مع الناس، لان الدعم الاجتماعي مهم جدا انطلاقا من مقولة في الاتحاد قوة.

4. القيام بعمل جيد: في كثير من الأحيان، تقديم الخدمات يساعد الشخص في التخلص من عبء الشعور بالذنب، امنح وقتك لجمعية محلية تجمع التبرعات للناس في مجتمعك، وستشعر بتحسن تجاه نفسك، بينما تحدث فرقاً في حياة الآخرين.

5. افعل شيئاً إيجابياً سواء لنفسك أو للآخرين، فالقيام بأشياء بسيطة يساعد على التعافي والتخفيف من الشعور بالذنب.

6. اطلب المساعدة المهنية المتخصصة، فالمعالج المُدرَّب تدريباً مهنياً يمكنه أن يساعدك للتغلب على تحديات صحتك العقلية، ومعالجة الصدمة التي تعرضت لها بشتى الطرق.

7. بعض التمارين الرياضية فعالة جدا للتخفيف من التوتر والقلق والشعور بالذنب الذي نعيشه، مثل المشي في الطبيعة، الرسم والتلوين، العزف على آلة موسيقية.

ونصحت "بالتدرب على التعاطف مع النفس للمضي قدماً واستعادة النظرة الإيجابية، باعتبار أن هذه المشاعر طبيعية وشائعة، والشعور بالذنب لا يعني أن الفرد مذنب بشكل ما لقيامه بتصرف خاطئ. فالحسرة، الخوف، التوتر والذنب هي مشاعر جداً طبيعية بعد الكوارث، ومن المقبول أن تكون سعيداً لنجاتك، وبنفس الوقت أن تشعر بالحزن والأسى على مصير وخسائر الآخرين".

الأكثر قراءة

حزب الله يدشّن أولى غاراته الجوية... ويواصل شلّ منظومة التجسس ترسيم الحدود مع لبنان ورطة اسرائيلية... و«مقايضة» اميركية في رفح!