اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

كشفت الحرب على غزة سقوط الغرب سياسيا واخلاقيا. هذا كان معروفا، ولكن بعضنا ينكره او يوارب فيه. الغرب الذي كان يعني في وعينا الجَماعي "الماغنا كارتا"، والثورة الفرنسية، عن الحرية والاخاء والمساواة، ما عاد موجودا. هذا السقوط المريع تجلت اوضح صوره في "قمة السلام" التي عقدت في القاهرة.

في هذه القمة، لم يتحدث مسؤول غربي واحد عن وقف لإطلاق النار، بينما سقط من الفلسطينيين المدنيين حتى الان اكثر من 8000 قتيل، ناهيك عن 100 ألف بين جريح ومعوّق ومفقود تحت الانقاض.

الحضور الغربي في القمة وما قبلها وعلى ارضه، كان يقول شيئا واحدا: امن اسرائيل فوق كل اعتبار. فوق النفط. فوق الاقتصاد. فوق الضمير والاخلاق، وحتى فوق كل مواثيق الامم المتحدة في حق الشعوب في تقرير مصيرها.

الغرب كله اعطى اسرائيل ما سمَاه "حق الرد والدفاع" في وجه مقاومة كانت تُحرر ارضها، ولم تكن تريد بناء وطن بديل فوق ارض الآخرين. حتما، الاختلاف مع "حماس" هو حق لمن يريد في السياسة ونمط العيش، كما كل اختلاف سياسي في ارجاء المعمورة.

لكن ما يُؤسف له حقا هو شيطنة حركة المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها وهي تقاتل على ارضها، وتصحح اخطاء الماضي ليصبح طريق فلسطين يمر من فلسطين حصرا، وليس من لبنان او الاردن او سوريا. والوقوف مع المقاومة الفلسطينية في حقها المشروع في بناء دولتها على ارضها هو حق. ونحن في لبنان نعرف معناه جيدا لما عانيناه من احتلالات ووصايات، انهكت نسيجنا الوطني مدمرة كل هياكل الدولة حتى كدنا في لحظة نصبح على مثل ومثال الفلسطينيين، شعبا لا ارض له.

في قمة السلام في القاهرة لم تتلفظ حكومة غربية بأي شيء عن "السلام" الذي زعمته منذ مؤتمر مدريد عام 1991، وصولا إلى المبادرة العربية للسلام التي أطلقت من بيروت "حل الدولتين" عام 2002، مرورا باتفاقيتي اوسلو ووادي عربة.

هذا الواقع يقول شيئا واحدا: "اسرائيل اولا"، ولا معنى لكل الجغرافيا السياسية العربية. علما ان فلسطين هي مسألة امن قومي عربي. وهي ايضا وايضا نقطة التوازن لأي استقرار يُراد في المنطقة. واي تبسيط سياسي معاكس لوقائع التاريخ والجغرافيا لا يعني الا الايغال اكثر فأكثر في الحروب ودمارها الذي يأتي على البشر والحجر.

المفارقة الرهيبة في المشهد الاسرائيلي القائم الآن، هو غياب السياسة واعطاء الكلمة للآلة العسكرية الحربية لاسرائيل، من صواريخ وطائرات هجومية، ومسيّرات، وعشرات الاطنان التي ترميها كُتلاً على الابنية والملاجئ، ولم توفر المستشفى المعمداني والكنيسة الارثوذكسية، مع تهجير قسري داخل غزة ذاتها للدخول على ارض محروقة في عملية برية، إن حصلت ستفجر المنطقة وتطيح كل ما هو سياسي.

هذه المفارقة تستولد سياقا عكسيا كانت العسكرتيريا العربية قد فعلته يوم رفعت شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة". وكانت نتائجه مهولة على مستوى داخل كل دولة تبنت هذا الشعار، ناهيك عن كارثية مريعة على مدى عقود في ادارة الصراع مع الدولة العبرية سلما وحربا. ما يحصل الآن هو ان تل ابيب ذاتها ترفع الشعار عينه بلغتها.

اسرائيل هذه لا تريد للسياسة مكانا. ما تريده هو الحرب ولا شيء غير الحرب بكل اهوالها. وهي ستمضي قدما طالما ان الغرب كله، بلا استثناء، اعطاها رصيدا مفتوحا لتفعل ما تريد.

السؤال الآن: متى ستعتبر اسرائيل انها استوفت حق الرد على معناه التلمودي، وبرعاية غربية كاملة. لقد سُوّيت نصف غزة بالارض واعداد القتلى بالآلاف، والجرحى والمفقودين بعشرات الآلاف. ألم يشبع الوحش بعد من استسقاء الدم؟ ومتى سيتوقف ذلك الوحش العبري؟

* مقال نشر في مجلة الامن العام العدد ١٢٢ شهر تشرين الثاني ٢٠٢٣

الأكثر قراءة

لبنان «ساحة» والسفيرة الاميركية: انتخبوا رئيسا قبل 15 ايلول والا الانتظار؟ «هدهد 3» ترصد قاعدة «رامات دافيد» وارباك في الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية هل تصدر الحكومة دفعة من التعيينات؟ ابو حبيب الى سوريا؟