اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

من أجل بلوغ الاستقلال على المسيحيين أن يتنازلوا عن مطلب حماية فرنسا لهم وأن يتنازل المسلمون عن طلب الانضمام الى الداخل السوري العربي.

هذا هو المخرج الذي صاغه العقل الفرنسي لبلوغ الاستقلال، وهذه حال اللبنانيين المنقسمين بين خيارين أولهما باطل وثانيهما باطل باطل، والملفت للنظر هو غياب الخيار الثالث الذي يدعو اللبنانيين لا لطلب الحماية من الأجنبي ولا يكون مقتصرا على المسلمين ولا يقوم على الانتماء الى الطوائف والمذاهب بل يقوم على مصلحة اللبنانيين.

قام الكيان على توافق طائفي مذهبي وعلى مصالح الطوائف والمذاهب، ولا حاجة لنا للبرهان لأن تقاسم السلطة ما زال على حاله منذ إعلان الاستقلال حتى اليوم، فجميع الأحداث التي أعقبت الاستقلال كانت تؤكد ما جاء في الصيغة والميثاق، وتُحيي من جديد فكرة التوافق بين الطوائف والمذاهب على تقاسم السلطة والمصالح.

منذ الاستقلال حتى اليوم لم يحصل قي لبنان صراع بطابع وطني ولم يحصل صراع بين القوى الوطنية والقوى الطائفية والرجعية، ولكن الأخطر من ذلك هو تسلل بعض الشخصيات الطائفية الى قيادة الحراك الوطني ـ فمثلا كان كمال جنبلاط ممثل الطائفة الدرزية قي الصيغة اللبنانية رئيس الحركة الوطنية، واستطاع ان يكون بوجهين يخدمان غاية واحدة هي مصلحة الدروز ومصلحته.

لقد قام لبنان على قضايا الطوائف التي عرفت كيف تحفظ مصالح بعضها وعرفت رسم الخطوط الفاصلة والخطوط الواصلة بين هذه القضايا، وعرفت كيف تحافظ على التوازن بين علاقاتها الخارجية وعلاقاتها مع بعضها مما جعل البلد يقوم على توافق محلي إقليمي دولي وبإرادة مرجعيات دينية محلية وخارجية.

بعد ثمانين سنة من الاستقلال لم تتغير قشة واحدة في البلد وبقي بثبات منقطع النظيرعلى حاله لوحة بعدة الوان لا تتفاعل ولا تتداخل ويأتيها دَفق بشرايين من دم يبعث فيها قوة الاستمرار. لبنان لا يتطور وينمو ككيان واحد، بل تتطور وتنمو الجماعات بداخله على قياس ما تكتسبه من مرجعياتها الخارجية، نستطيع القول ان لكل طائفة منهجيتها الخاصة في التطور والتكيف والعلاقة مع مستجدات التطور العلمي والإنساني والادبي والفلسفي.

لذلك كان يتفاعل لبنان مع الخارج ليس ككيان واحد، بل كمجموعة من الكيانات الطائفية لكل واحدة خصوصياتها، وهذا ما نطلق عليه القضايا الطائفية.

القضايا الطائفية التي أنتجت أحداثا طائفية وأنتجت حربا داخلية طائفية، وأنتجت عراكا سياسيا طائفيا، هي الآن تنتج ثقافة طائفية وتنوعا ثقافيا أنتجا مقولة الخيانة وجهة نظر، وأنتجا خلافا حادا في تحديد العدو والصديق وأنتجا انقساما في تحديد مصلحة الكيان، فكل طائفة تقيس مصلحة الكيان على قياس مصالحها.

لم يستطع الكيان الخروج من سجن الصيغة والميثاق فلا أحداث 1958 التي انتهت بلا غالب ولا مغلوب كانت في وجه من وجوهها تهدف الى تغيير الصيغة والميثاق، ولا أحداث عام 1969 التي شرّعت للمقاومة حمل السلاح والأمن الذاتي في مؤتمر القاهرة أحدثت خرقا في طبيعة النظام اللبناني، وأظهرت هذه الاتفاقية انه يمكن للبنان قبول أي تطور على أرضه لكنه يرفض الاقتراب من الصيغة والميثاق.

ووقعت الحرب اللبنانية اللبنانية عام 1975التي استمرت سنتين وحملت صفات عديدة منها الصفة الطائفية التي كانت أوضح من كل الصفات ولم تستطع الحركة الوطنية بزعامة رأسيها ياسر عرفات وكمال جنبلاط الى تحويلها الى حرب وطنية ليس لأنهما لا يستطيعان فعل ذلك بل لأنهما يريدان الحفاظ على طائفيتها ليحافظا على زعاماتهما للطوائف.

بعد كل حرب ينعقد مؤتمر حوار وبعد كل أزمة سياسية ينعقد مؤتمر حوار، والملفت ان جميع هذه المؤتمرات كانت تبحث كيفية تأمين مصلحة الطوائف بعد وقف الحرب او وقف النزاع السياسي، وأبرز هذه المؤتمرات كان مؤتمر الطائف في مدينة الطائف في السعودية ألذي كرّس مقولة القضايا الطائفية وأعاد توزيع السلطة والمنافع على قدر ما تسمح به مصالح الطوائف.

لم يسأل اللبنانيون مرة واحدة لماذا يتكرر الحدث ذاته في لبنان عدة مرات، ولماذا يبقى البلد على حاله بعد حرب تأكل أخضره ويابسه، لماذا يعيش الكيان اليوم أسوأ مما كان عليه يوم نال استقلاله.

هذا السؤال يتطلب سؤالا: بأية قضية يجب ان يؤمن اللبنانيون ويعملون لتحقيقها؟

لا بد من القول أن الايمان بالقضايا الطائفية أورثنا كل هذه المصائب، وهو الذي وضعنا في فريز البراد وبقينا على حالنا، لذلك وجب إسقاط هذا المفهوم واستبداله بمفهوم آخر يؤمن مصلحة الكيان.

تنشأ الفضية من الهوية، ونحن أضعنا الهوية وعلينا استردادها، والهوية ليست بطاقة تصدر من مركز نفوس أو وزارة الداخلية، الهوية تكتسب من التفاعل بين الناس والتفاعل مع الأرض اللذان يعطيان الشعب عادات وتقاليد خاصة وتعطيانه أوصافا خاصة وتخلق له مصالحا خاصة. الهوية تكتسب من الوطن الذي هو البيئة الطبيعية ولا تكتسب من الكيان الاصطناعي او الذي تقرره الإرادات الأجنبية، ونحن الآن نحيا في كيانات مصطنعة أنشأتها قوى خارجيه لتؤمن مصالحها وتأمن عدم صعودنا الى فوق، لأنها تعلم أن صعودنا يُعيق باطلها.

أما وطننا الطبيعي فهو الوطن الذي تحدث عنه أنطون سعادة، جبران خليل جبران، أمين الريحاني، فيليب حتي وأجدادنا الذين عاشوا قيل سايكس بيكو أو بعدها بسنوات وما زال بعضهم حيا، وما تقره الجغرافيا ويؤكده علم الاجتماع ونشوء الأمم، والوطن الذي تحدثوا عنه كل الذين ذكرناهم، هو الوطن السوري، وبالتالي هويتنا هوية سورية وقضيتنا قضية سورية، وهي قصية قومية بامتياز. إن ما يحصل لنا في لبنان وفي جميع كيانات الأمة السورية من مصائب ناتج عن ضياعنا هويتنا السورية.

قتلت القضايا الطائفية الحياة في لبنان، ولن يعيدها إلا إيماننا بالقضية القومية التي تعني المصير الواحد لشعب واحد يحيا في كيانات أنشأتها الإدارات والإرادات الخارجية.

على اللبنانيين أن يختاروا بين موتهم البطيء الناتج عن ايمانهم بقضايا الطوائف أو حياتهم الكريمة التي تحمل رسالة الحق والخير والجمال الى العالم الناتجة عن ايمانهم بالقضية القومية السورية القومية الاجتماعية.


الأكثر قراءة

واشنطن تريد رئيسا بين تموز وايلول وكلمة السر بين بري وهوكشتاين جلسة «النازحين»: العبرة بالتنفيذ وتجاهل الهبة وتوصية من 9 نقاط مفاوضات القاهرة فشلت والمقاومة تدك القواعد العسكرية بعشرات الصواريخ