اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

من يزور باريس، في هذه الأيام، يجد من يقول له "تتحدثون عن اسرائيل كدولة مجنونة وتتناسون أميركا كأمبراطورية مجنونة... ".

مفكرون، وباحثون، وفلاسفة، فرنسيون يعتبرون أن التاريخ يتقهقر في بلادهم، ما يعني أن فرنسا هي التي تتقهقر. هكذا يمكن أن ترى في الاليزيه رجالاً مثل فرنسوا هولاند، ونيكولا ساركوزي، وايمانويل ماكرون، وان كان ادغار موران قد لاحظ، منذ سنوات، أن التاريخ يتقهقر في كل مكان. ربما كمؤشر على أننا نقترب من نهاية العالم.

بعض هؤلاء خائفون على لبنان من الدولة المجنونة، ومن الأمبراطورية المجنونة، ما يفترض بالقوى الفاعلة على الأرض (أو في الرؤوس) أقصى حالات الحذر. "بلدكم داخل دائرة الخطر. في أي لحظة هناك من هو مستعد لبيعكم في أي تسوية، أوفي أي صفقة، تتعلق باعادة صياغة المعادلات، وحتى الخرائط".

يبيعوننا لمن ؟ "لبنان لم يعد ضرورياً لا للمنطقة، ولا للعالم، ولا حتى للمسيحيين، وهم الأساس في قيامه. انهم جاهزون لحزم حقائبهم والالتحاق بأبنائهم في اصقاع الدنيا بعدما ارتضوا أن يقودهم ساسة بأدبيات الأزقة".

بعبارات تنطوي على شيء من الأسى يلاحظون انحسار الدور المسيحي في لبنان. القامات العالية ـ بمعايير هذا الزمان ـ لم تفعل شيئاً لحماية الطائفة، بكل تجلياتها، ولا لحماية الدور، وتفعيله. على العكس من ذلك، شتتوا الطائفة، وقضوا على الدور، بصراعاتهم الدونكيشوتية على رئاسة الجمهورية، وقد أفرغت، دستورياً، من صلاحياتها. لم يعودوا اياهم الذين شقوا الطريق الى الحداثة. الآن... العالم على أبواب ما بعد الحداثة !

لا جدوى من الكلام. هكذا يقول الحكماء في فرنسا، وهم يأخذون على الاليزيه، كما على الكي دورسيه، التبعية العمياء للولايات المتحدة. هذا ما يجعل دورهم في لبنان، أو في الشرق الأوسط، باهتاً، وواهناً. كاترين كولونا، كنموذج للتقهقر الديبلوماسي، عوملت في بيروت كما لو أنها وزيرة خارجية جزر القمر، لا وزيرة خارجية الدولة التي ولد على يديها، وفي قصر ملكي، لبنان.

ما نقرأه، وما يتناهى الينا، يؤكد أن الصراع على قيادة الكرة الأرضية يقتضي الكثير من الهزات في مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط الذي يبدو الأكثر هشاشة، باجتراره لأزمات، ولنزاعات، استمرت لعقود، وعطلت "ديناميكية الأزمنة" ان داخل الدول أو داخل المجتمعات...

لبنان جزء من هذه "الحالة"، بقوى سياسية وطائفية مبعثرة أو في حال الصدام اليومي، وبين دولتين هما سوريا الايلة الى التفكك، واسرائيل التي باتت، وبعد سلسلة الصدمات، أمام مأزق وجودي تزيد من حدته السياسات الهيستيرية، دون أن تدرك الى أين تودي بها الذهنية الاسبارطية. كثيرة المفترقات الايديولوجية، أو الأمبراطورية، التي قادت التاريخ الى الجحيم...

ذات يوم، قال جورج سوروس، القطب اليهودي في وول ستريت، لرئيس وزراء بريطانيا "بحركة من اصبعي أستطيع تدمير الجنيه الاسترليني" الذي، برمزيته، أكثر حساسية من التاج الذي كان على راس الملكة اليزابت. من تراه يتصور أن الاصبع الأميركية (واصبع جورج سورس بالذات) لم تكن وراء انهيار الليرة اللبنانية، وكانت تصنف في الأسواق المالية العالمية كعملة صعبة قبل أن تقع بين براثن مصاصي الدماء؟

ويقولون في باريس أن كل ذلك الاهتمام الأميركي بلبنان كي لا ينفجر، في هذه اللحظة، ويفجر معه المنطقة. لا قيم تحكم السياسات الأميركية. الأنكليزي برنارد راسل قال ان فرنكلين روزفلت سلّم جوزف ستالين دول أوروبا الشرقية كما لو كانت أكياس الذرة (أم أكياس الشعير)؟

لا ياتي الفرنسيون بجديد حين يقولون أن الساسة في لبنان عاجزون حتى عن ادارة الأزمة. ما يقومون به الآن وعلى أفضل وجه الاعداد الاحتفالي لمراسم الدفن. فرنسا لا تبكي طفلها. مائة عام تكفي لكي تنتهي "الكوميديا الفرنسية". هكذا بسخرية فظة، كتب اليميني الفرنسي اليهودي اريك زيمور، بتغريدة على صفحته، "الطفل اللقيط".

لكن الفرنسيين يعترفون بأن ما يحدث في غزة هو الزلزال الذي قد يخرج منه شرق أوسط، بمواصفات، ومعادلات، مختلفة في شكلها الجيوسياسي، والجيوستراتيجي. أي شرق أوسط، وأي لبنان؟ قد لا يعلم ذلك سوى الأنبياء. ربما سوى... الأغبياء.


الأكثر قراءة

العثور على 6 جثث لأسرى لدى حماس مقتولين يُحدث زلزالاً في «إسرائيل» الشارع يتحرّك ضدّ حكومة نتانياهو... ونقابة العمّال تعلن الإضراب الشامل